مجتمع

ماذا عرف العربيّ عن التشفير؟

ماذا عرف العربيّ عن التشفير؟

صفاء حميد – خاص اليمامة الجديدة

تناقل الناس الرسائل على مر الزمان، رسائل ذات مضامين عادية ورسائل أخرى تشتمل على مواضيع سرية، ورسائل تحتوي معلومات خطيرة قد يتوقف عليها مصير دول أو أفراد.
هذا ما أبرز الحاجة إلى ظهور طرق متخصصة لتشفير الرسائل والتشفير عملية يتم فيها تحويل النصوص المقروءة إلى كتابات مرمّزة غير مقروءة إلا عن طريق مفتاح متفق عليه بين الطرفين الذين يتبادلان هذه النصوص، وهو قائم على أسس وقواعد رياضية تعتمد نمطاً معيّناً متفقاً عليه بين الأطراف المتناقلة للمعلومات المشفّرة، وقد تسيّد العرب موضوع التشفير وابتكروا وطوّروا فيه بشكل يشهد لهم فيه التاريخ.
ويجدر بي أن أشير أولاً إلى أن التشفير ليس اختراعاً عربيّاً، فهو أمر قد عرفته الشعوب القديمة واستعملته، فقد ظهر في مصر القديمة وبلاد الرافدين وفي اليونان وروما، لكن الفارق أنّه ظهر واستعمل بكونه فنّاً أكثر من كونه علماً، حيث كان معظم التشفير المستخدم معتمداً على المجاز والثقافات المشتركة بين أفراد الشعب الواحد، بحيث تمثل جملة متعارف عليها بين أفراد شعب شيفرة لشعب ثانٍ.
ظهرت كذلك نماذج بدائية من التشفير عند هذه الشعوب مثل شيفرة القيصر، ومربع بوليباس، لكنها كانت نماذج بسيطة يسهل كسرها.
مع انفتاح العرب على الشعوب والحضارات الأخرى وتنامي علوم اللغة وعلم الرياضيات، بدأ علم التشفير في الظهور والانتشار عند العرب، حيث اطّلعوا على الأنظمة القديمة وبدأوا بالكتابة عنها وتطويرها.
ونستطيع إرجاع أسباب سرعة تطور وانتشار هذا العلم في الأوساط العربية الإسلامية إلى أمور كثيرة، منها:
ارتباط العرب الوثيق بلغتهم وسعة معرفتهم بها، وكذلك تطور علوم الرياضيات، وأخيراً نتيجة كون الأوضاع السياسية دائمة الاضطراب في محيطهم، فهناك دائماً عدو أو صديق متربّصان.

من أشهر العلماء العرب في مجال التشفير عالمان فصل بين مولدها أكثر من ثمانين سنة، لكنهما تبنيا وعملا على المبدأ التشفيريّ نفسه. حيث تشارك ابن دريهم وابن دنينير معظم الأفكار بحيث توصلا إلى طريقة تشفير لا تزال هي المرتكز الأساسي في جميع أنظمة التشفير الحديثة والمستعمل بعضها  في الأجهزة الإلكترونية، وهذه الطريقة قائمة على تحويل كل حرف في الرسالة إلى رقم، ثم إجراء عملية حسابية على هذا الرقم، وإرجاعه بعدها إلى الحرف أو ما صار يمثله من حروف بعد العملية الحسابية، فهي قائمة على مبدأ تحويل النصوص إلى بيانات رقمية، ثم معالجة البيانات رياضياً، وأخيراً تحويل البيانات إلى نصٍّ مجدداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى