الأرض مكتظة بالكلام.. نص: محمود الجبري

الأرض مكتظة بالكلام

بقلم: محمود الجبري/ غزة 

للعائدين

من خرابِ سِيَرِهم

عيونٌ مشدودةٌ من حانوتها

وأيدٍ من ماءٍ عليل

كلَّمَ البئرَ عن طولهِ

ونسِيَ المواعيدَ مصقولةً

في لونهِ

 

لهم خطواتٌ ناقصةٌ

نحو الانتباهِ الخجل

من موتهم المكرر

في الأجراس

كإيقاعٍ بلا صدى

 

للنازحين

من جلودهم

للصابئين

فوق معنى الغياب

المواسم تقلِبُ نارها على النار

وتجدِّلُ صهيلها بالسكوت

وتلعن كل شاردةٍ

من صدر الاستعارة

والأرضُ مكتظةٌ بالكلامِ وبالموتِ

وحبر الطفولة ..

 

أينكَ يا سؤالي عن سيرَةِ الغرباء

من شللٍ حميدٍ في حواسِ الانتظار

أينكَ من نوم الحجارَةِ فوق الحجارَةِ

وفوق الشالِ

تحت المطرِ الناتِجِ

من احتكاكِ النارِ بالنار

 

أراهم يجروُّنَ الموقِدَ من لسانه

لخيمةٍ في الأسفل

والضواحي تحفها الرماحُ

من كل صوت

يفكروا بالاختباء

وبالانتحار

لكن أسرارهم واضحة

فلم يعيروا غموضهم

أي انتباه

أشعلوا صدورهم بالماءِ

وكتبوا تحت أرجلهم

هنا كانت صلاةُ الغرباءِ على الغرباء

 

نمشي بلا كتابٍ نغشُ منه ضوءَ الطريق

فالطريق موحلٌ بالأعداءِ

وبالطين

النوافذ تسلِّطُ البردَ على المارَّةِ

والأشجارُ تعوي كالطائراتِ

فمن عادات الشجرِ

الغيرة

وكلنا غيرةُ الدَّمِ من البياض

لا مجازَ يحرُسُنا من الضياع

ولا أمهات لنا

كي نعرف مواعيد الرضاعَة

نموتُ في العودَةِ

كما نموتُ في الرحيل

 

يا شقيق الانتظار

يا إلهنا

هب لنا منك موتًا كالموتِ

أو دعنا نَمُت كما نشاء

فالطريقَةُ سبيلٌ للنجاة

وكل السُبُلِ واحدة

إلا في هذا الوقتِ من النباح.