ثقافة

مصطفى النبيه يكتب: الفن أساسه المعرفة 

الفن أساسه المعرفة

بقلم: مصطفى النبيه/ كاتب ومخرج 

لكي ترسم لوحة جميلة في الحياة، ابحث عن الشيء الذي يفجر مكنوناتك ويأخذك إلى بر الأمان. وحينها، لن تكون مجرد رقمٍ تابعاً، بل ستصل بالتأكيد إلى ما تصبو إليه. فالعربة المحملة بالحب والحكمة لن تغرق، ومن الطبيعي أن تثمر عملاً جيدًا، يحمل كلماتٍ يتلوها ممثلين مبدعين. تغذيها موسيقى تجسد الحالة، وألوان زاهية متناسقة مريحة، تحدد الكتلة والفراغ، فيعطينا مساحات من التأمل تبشر بميلاد تحفة فنية تهذب الأرواح وتشعرنا بالمتعة وتبهرنا بحسنها. نتماهى معها وننتمي لها، ويتدفق لدينا شعور غريب، احساس القائد المنتصر العائد من معركة شرسة. ثمرتها الحب الذي تزود به من خلال جمهوره الواثق به وبحنكته وقيادته، فهو المنتصر لكونه الدارس لكل مكونات النفس الصانع نهر الجمال المتدفق من خلال خلطة درامية مبهرة، تسحر القلوب وتؤسس لعالمٍ ناضج، يستقبل الرواية الفلسطينية بعقلانية وحب. النضوج لن يأتي صدفة ولن يحركه العشوائية، فالمحاولات التي لا تعتمد على المعرفة ستعود علينا بالمفاهيم السلبية وستشوه ما تبقى لنا.

الفن أساسه المعرفة التي تشدها المعرفة. فإدعائها وبدون قراءة متأنية ومتفحصة للسابق واللاحق، معناها فشل وجهل.

اللاوعي بشكل عام لعناصر الفن سيجرنا للخلف، لنفس الدائرة وسنبدأ من نقطة الصفر وحينها سنشعر بالاختناق، وهذا هو احتضار من نوع آخر يبشر بالموت.

الدراما بدون مفكر يبتكر أفكارًا تحلق بالمشاهد وتعزز انتمائه لوطنه وللإنسانية وللجمال. وسيناريست يعالج الحكاية ويغوص بين السطور ليرسم صورة بصرية تأخذنا لعالم التشويق وتبحر بنا لنعيش مغامرات مع أناسٍ تشبهنا وتحمل ملامحنا. فنفرح ونحزن معها ونتابعها بشوق وهي تفصح عن أسرارنا وتحكي كل ما نتمناه، نرافقها مشدوهين وهي تتحرك فوق الأوراق وتسير عبر خصائص البناء لتساهم في التأسيس.

الدراما بدون أوراق تشدك وتبهرك وتمنحك أكثر من انفعال هو تطفل على المهنة.

أكررها، الدراما تحتاج مفكرًا يتفرع من شخصيته، طبيبًا نفسيًا، روائيًا خياله خصبًا، مهندسًا مبدعًا، وعالمًا يمنحنا خلطة مبهرة للعمل. يحملها المايسترو، المخرج الفنان لامبدع، القائد، الذكي، فيمنحها حياة. المخرج فنان لا ينكسر، يحفز جنوده دومًا للنصر، ويدرك أن الحياة أساسها الإيقاع والكلمة تحمل أكثر من معنى، يتفنن بالتعبير عنها من خلال زوايا الكاميرا وحجم اللقطات التي صنعها لتجسد الهدف المقصود، ويتابع تطور شخصياته والتغيرات التي تطرأ عليها ومدى تأثير الضوء واللون على حالتها النفسية ومفهوم الأبعاد والتكوين البصري الذي يبهرنا ويمنحنا معرفة ومتعة.

وأخيرًا، الدراما أكبر من كاميرا ترقص بشكل عشوائي وصورة تبهر ومونتير يجمع قصاصات من ورق تفتقد للحكاية.

الدراما عمل جماعي، سيناريست يكتب عالمًا من ورق ومخرج يبعث الحياة بهذا العالم، من خلال رؤيته ومعرفته التي تساهم بالتغيير، يسانده فنانون مبدعون وطاقم تقني محترف يعبر عن رسالة العمل. وخلاف ذلك، مجرد إدعاء وهم وخرافة.

زر الذهاب إلى الأعلى