مهرجان برزخ: ماهر داود

مهرجان برزخ
ماهر داود/ ناقد مسرحي
أنت تعيش الآن في المنطقة الفاصلة ما بين الموت والحياة، لك عالم خاص يختلف عن كل العوالم المحيطة بك، تتأرجح ما بين الشك واليقين، تخيل أنك حتى رفاهية اختيار الجحيم أو النعيم مفقودة.
قالوا: ” أن المنطلق الأساسي لبناء أي عمل فني هو مدى ثقافتك وغزارتك المعرفة بالتاريخ والفلسفة والديانات، ولكن هذه القاعدة كسرت على صخرة واقع الفلسطيني المزدحم بالأحداث والأفكار والنقاشات اليومية، المرتبط بالماضي والحاضر والمستقبل بشكل متداخل.
برزخ عمل فني تم إنتاجه في غزة قبل عدوان2021، إلا أن العدوان كان له رأي آخر فتدخل في إعادة بناء العمل نصا وإخراجا.
المشاهد لم تكن مرتبة بشكل تسلسلي تقليدي، فمن غير المنطقي الترتيب هنا، لأن المشاهد يعي تماما مقتضيات الترتيب للحالة التي مر بها الأجداد والآباء، فالمشاهد مركبة تركيبا عبثيا مترابطا ببسبب أن ” مشكلتنا مشكلة ترتيب”
يبدأ العمل بسرد مأساوي لشكل التشتت وفقدان الهوية الفردية المعجون بها الفلسطيني، ممزوج باللهجات المدنية والقروية والبدوية، وأيضا تطرق فكرة أنك إنسان يحب ويكره، يحزن ويفرح، يمارس حياته بشكلها الفطري لا الأسطوري ، مبتعدا عن الخطابات النارية التي بفعلها جلعتنا ” أن ننسى الأغاني العاطفية” بالفعل نحن في حالة صراع ما بين الحياة و الموت، عالقون في حياة البرزخ.
استخدام تقنية مزج الفنون ” رقص، إيقاع، مسرح،غناء، شعر” ما هو إلا انعكاس للمجتمع المتباين في شخوصه وأفكاره وشكل حياته، فالعمل يؤكد أن الشعب الفلسطيني يستحق الحياة مؤمنه وكافره.
العمل يرتكز على فكرة إثارة التساؤلات في ذهن المتلقي ليكون مشارك لا متلقي، فيسأل: ” ما هو شكل الهدوء؟
ما هو الفراغ، كيف يمكن أن تحدق في سقف المنزل بدون أن يتعكر صفوك بالتفاصيل والأحداث، كيف يمكن أن تسير الحياة بشكلها الطبيعي ” في الخوف يتمدد الزمن” فنحن “لنا أحلامنا الصغيرة” التي تضيع في زحمة الأحداث، والكل يجب أن يفهم أننا نخاف ولا نريد السفر ” ولكن البلد بطلت توسعنا”
برزخ عمل فني مزعج في قدرته على إثارة الغضب، وما قد نسيناه أنا بقايا بشر.
إعتماد العمل على الإيقاع لأن الكلام، والوصف، والتحليل، والخطابات، في واقع كهذا ضرب من السخافة، ضربات الأقدام دلالتها ” إن هنا باقون” وضربات الطبلة ” سنحاربكم” ولكن في نهاية الأمر يجب أن لا ننسى أن خبطة أقدامنا هدارة!!!
نقد السلطة وشكل علاقتها مع الاحتلال، ونقد حكام غزة ومكذبة العودة ومنحة ال 100 دولار كان جريئا وساخرا، يجعلك تتأكد أنك تطارد خيط دخان.
الحر الشديد أثناء مشاهدة العرض نتيجة عطل فني في ” المكيف” كان مشهدا إضافيا للعمل، صوت الممثلين المتعب من الحر كان دليل واضح علَّ حالة البؤس المفروضة علينا في كل مكان.
في نهاية الأمر نحن عالقون، لا شكل واضح لنا، مشردون، منقسمون، ويبدوا أننا سنبقى في حياة البرزخ مادمنا على هذا الحال.