موسم الهجرة إلى الشمال.. قصص ما بعد الاستعمار

موسم الهجرة إلى الشمال.. قصص ما بعد الاستعمار
بقلم: زبير مون الهدوي/ الهند
“سنكون كما نحن قوما عاديين… وإذا كنا أكاذيب فنحن أكاذيب من صنع أنفسنا”
الرواية نثر خيالي مطول النص، وعادة ما يمثل الشخصية والفعل بدرجة معينة من الواقعية ويأخذ الحقائق بصورة تمثيلية، هذه الرواية من الروايات الواقعية من حيث ان الروائي الطيب صالح يسير بقصة بعد عودته الى بلده من الدراسة الجامعية بشخصيات غريبة مثل مصطفى سعيد شخصية خيالية، وروايته هذه سفر بقلب مملوء بالعنف في موسم الهجرة الأولى للجنوبيين إلى الشمال بعد الاستعمار عقب الحروب الأوربية الكبرى الثانية.
أوّلا، بدأت الرواية بتمثيل صورة الشرق والغرب والعلاقات بينهما مثل علاقة صراعية بين رجل وامرأة، مصطفى سعيد في صورة الشرق المستعمر وجين مورس تمثلت من المرأة الأرستقراطية، والطيب صالح نجح بصورته المتخيلة طول الرواية وأخبر على أنه من نتاج الاستعمار، لأن الفيلسوف ادوارد سعيد أثبت هذا من اختلاف الاستعماري الغربي وهذا هو الخطاب الحقيقي الموجود في المبادئ المخيلة من الروائي.
إن المميز في هذه الرواية هو تمثيل مصطفى سعيد كشخص رمزي للقطعة التاريخية التي هي نتاج حالة الاستعمار في الأمم الشرقية، وأيضا أعجبني أسلوب الطيب صالح في تصويره شخصا ليس له أصل ولا جذور أو تاريخ ما قبله أو عائلة أو أي شي آخر كما كانت عادة تلك الأمم الشرقية التقليدية ونجح في تصويره ببراعة الاستعمال وحسنه.
ومن الجدير بالقول كان جواب مصطفى سعيد عندما سأله عن هويته جواب مصور أو جواب اصطناعي مثل عبارة صورة متخيلة ودون أصول تاريخية عن الشرق، طالما أن تصوير مصطفى سعيد في قمة الإبداع يكون شخصية النقيض على صورة كهذه لأنهما متشابهان من بداية حياتهما والانضمام في حروب الغرب والاستعمار رغم أنه يبدأ حياته مع بيان أصالته ومكان نشأته وانتمائه وولادته ومربيه وعاداته وهويته الأصلية وهو يشتاق إلى أهله وقريته ويحكيها بقلب مليئ بالحب والحنان في قوله :”إنني عدت ولي هه شوف عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عن منحني النيل”.
بل وهو يصور الحب وإحساساته لأهله وعشيرته وهو كما خرج من فيه “ذاك دفء الحياة في العشيرة”، وهو يتصور ويحس بأصوله وجذوره دائما ويشتاق إليها وهو يحس أحوال قريته في الخيال وتمتلئ عيناه بالحقول المنبسطة كراحة اليد إلى طرف الصحراء حيث تقام فيها البيوت، ويسمع تغريد الطيور ونباح الكلاب وأصوات الفؤوس في الحطب وغير هذا وهو يرجع إلى فكرة التاريخ كذاكرة بالأمن والسلام.
من الناحية النظرية تقود الرواية إلى الاستعمار مثل جزء من التاريخ والذاكرة التاريخية التي شكلت في الأمة السودانية بعد الاستعمار، ولكن من أحسن الأسلوب يشتاق القارئ العادي قراءته مرارا انه لم يحمل مشاعر العداء لأي أحد، بل وهو الذي يوجه النظر الى ان الاستعمار لا يحرض على الحرب ولكن يبعث على الحزن فقط.
نقطة الضعف:
طالما هذه الرواية في أسلوب حسن مقارن بين شخصين نقیضين وقع للراوي بعض الجروح لأنه يتصور ما تركه الاستعمار في صورة مأساوية وعنف، وإن مجتمع ما بعد الاستعمار، أصبح أمة عالية بثقافته وتری الأمور بسواء وهذا هو مأساة مصطفى سعيد ولكن الراوي يحاول أن يكتم هذا لبيانه أنه ما بعد استعماري وغير ذلك.
على كل حال، الرواية ممثلة لصور الأحوال الاستعمارية وما بعدها في المجتمع السوداني، أما تسميتها ب”موسم الهجرة إلى الشمال” من حيث إن مضمونها ما بعد الاستعمار، أرى أن العنوان غير لائق بأفضليتها إن لم يكن للروائي مقاصد أخرى.
زبير مون الهدوي، الهند
– محاضر، كلية دار النجاة العربية النابع لجامعة دار الهدى الإسلامية، الهند
* المقال لا يعبر عن رأي الصحيفة بالضرورة.