ثقافة

نشأة القصة القصيرة وتاريخها: علاء أبو جحجوح

نشأة القصة القصيرة وتاريخها

بقلم: علاء أبو جحجوح

مفهوم القصة

لا تختلف تعاريف القصة القصيرة عن بعضها كثيراً، ويمكن تعريفها بشكل بسيط فهي جنس أدبي يقترب من الشعر، وكذلك من المسرح خاصة في محدودية الزمان والمكان، كما له علاقة بالرواية من حيث السرد.
تصور حدثاً واحداً بشكل مكثف جداً، يمرقُ كما السهم، أو كما البرق في لحظة زمنية خاطفة، وتعطي للقارئ رسالة مباشرة، تحمل نهايتها مفاجئة وغير متوقعة من القارئ، وهي لا تلقى كما الشعر أو تقص كما الرواية، بل تقرأ.

نشأة القصة القصيرة

جنس أدبي ظهر في أوروبا، وربما كان للثورة الصناعية أهمية بالغة في ظهورها، بحيث أصبح الوقت سريعاً، لذا جاءت متأخرة عن الرواية التي تستهلك وقتاً طويلاً في القراءة خاصة عند الطبقات البرجوازية التي كانت تعتبرها ترفاً يخصها، ولا يخص الطبقات الفقيرة. وقد ارتبطت القصة القصيرة بظهور الصحافة، والطبقات الفقيرة والمجتمعات المضطربة غير المستقرة، فهي تحتاج إلى مجتمع متعلم مثقف، وتميل لها الطبقة البرجوازية المتوسطة، كطبقة الموظفين مثلاً: وقد اقترنت بالكاتب الفرنسي “موبسيان” حتى قيل إن القصة القصيرة هي موبسيان وهو القصة القصيرة، وكذلك الكاتب الأمريكي “أدكارألمبو” مع بداية القرن العشرين.

القصة القصيرة في الوطن العربي

دخلت القصة القصيرة الوطن العربي بعد ظهورها بقليل في أوروبا، وقد لعبت الصحافة اليومية التي كانت في بداياتها آنذاك دوراً بارزاً في إطلاق وتعميم هذا الجنس الأدبي الجديد، خاصة في القاهرة وبيروت، وكانت القصص الأولي كغيرها من القصص المترجمة عن الفرنسية والإنجليزية في المقام الأول، ثم قام معربونها بحذف أو إضافة مقاطع أساسية من النص الأصلي كي تتلاءم مع الذوق العام واللغة العربية، وقد أطلق عليها الإمام محمد عبدو “الروبانيات” نسبة إلى كلمة “روبان” التي تعني بالفرنسية القصة، وكانت هذه التسمية تنطوي على حيرة بشأن تسمية هذا الطراز الوافد، والذي لم يعرفه العرب من قبل، رغم أن العرب قد حالوا إيجاد صلة بينه وبين جنس أدبي معروف في الأدب العربي وهو “المقامات” إلا أن الصلة لم تتأكد بعد، رغم الآراء التي تحاول تأكيدها، إلى أن جاء الأديب محمود تيمور وكتب سنة 1912 قصة “في القطار”، وهي عبارة عن حوار يدور في القطار بين أحد الفلاحين الذي يدافع عن حق الفلاح في التعليم، وبين برجوازي لا يري تلك الأحقية بل ينكرها على الفلاحين، وهي قصة واقعية تظهر المقارنة والصراع الطبقتين.
ومن ثم ظهر نجيب محفوظ ، ويوسف إدريس ، ويوسف القعيد وغيرهم..

القصة القصيرة في فلسطين

بعد مرحلة الترجمة ظهر جيل الأعلام والمؤسسين، ومنهم: خليل بيدس الذي ترجم أعمال “تشيكوف”، وكذلك نجاتي صدقي، الذي كتب قصة “الأخوات الحزينات”، إسعاف النشاشيبي، وخليل السكاكيني، كما كتب محمود سيف الدين الإيراني القصة القصيرة في مقتبل حياته فكتب قصة “أول الشوط” إلا أنه اتجه نحو النقد الأدبي وبذلك صار مؤسس مدرسة النقد الأدبي في فلسطين، وفي فترة لاحقة في أواخر الأربعينات كتب عميد الأدب الفلسطيني، موسى اسحق الحسيني قصة “مذكرات دجاجة” وهي قصة سياسية رمزية.
ومع النكبة الفلسطينية في عام “١٩٤٨م” ظهر جيل جديد من كتاب القصة القصيرة فكانت سميرة عزام من أبرز هذا الجيل، وتعد مؤسسة للقصة القصيرة، ومن تلاميذها المبدع غسان كنفاني الذي دفع بالقصة القصيرة الفلسطينية إلى مستويات أكثر عمقاً وتطوراً، كما أسهم الأديب أميل حبيبي في إرساء دعائم القصة القصيرة في مرحلة السبعينيات.

القصة في قطاع غزة وحرب حزيران( ١٩٦٧)

لقد رحلّ العدو الصهيوني معظم الجيل المثقف ومن لدية بعض القدرات المبدعة إلى الجمهورية مصر العربية، إلا أن جيلاً قد أكد نفسه إبداعياً فكتب القصة القصيرة وأسس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الضفة والقطاع ومنهم:
الجيل الأول: غريب عسقلاني، محمد أيوب، عبد الله تايه، زكي العيله، صبحي حمدان.
أما الجيل الثاني: عثمان أبو جحجوح، حبيب هنا، محمد نصار، على عودة، وغيرهم.
إن أجيال القصة القصيرة في فلسطين خاصة لا تنتهي بعد، فكل جيل يسلم غيره من الأجيال الشابة المبدعة، ولهم علامات بارزة في هذا الجنس الأدبي ( القصة القصيرة ) من حيث التقنيات، وقد لعبت قصتنا القصيرة دوراً ريادياً في النضال عبر مراحله، فكانت بمثابة الشيفرة الأكثر كثافة والأعمق ثورة والأسرع تحريضاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى