هارييت توبمان: حكاية محررة العبيد

هارييت توبمان: حكاية محررة العبيد
صفاء حميد- اليمامة الجديدة
تركض في حقلٍ مفتوح، ومن شعرها وأطرافها تتساقط سنوات كثيرة، سنوات عبرت منها وعبرتها، تتساقط منها معارك أُجبِرت على خوضها، وصراعاتٌ لم يكن لها بها يد، تتساقط أغلالٌ غير مرئية، ودماء، وتراث أجداد عتيق، تراثٌ كانوا فيه أحراراً وأسياداً يملكون الحقل والزرع والسماء، تراثاً كانوا قادرين فيه على الخلق و التحليق.
هكذا وكلّ ليلة من جرحٍ كبير في الرأس، تسرّبت هذه الأحلام والخيالات إلى هارييت، أحلامٌ ظلت تعتبرها على مدار سنوات، إلهاماً لها وحافزاً للمضي قدماً دفاعاً عن أبسط الحقوق الإنسانية: الحرية.
عام 1822 ولدت أرامنتا روس لأسرة من العبيد آنذاك، ونشأت في كنفهم تحت سلطة عائلة من الأسياد، لم تختلف في هيكلها العام عن أي أسرة أسيادٍ آخرين.
وكأيّ إنسان ولد تحت نير العبودية، عانت في بدايات حياتها من تبعات هذا الأمر؛ العمل المجهد لساعات طوال، والتعنيف والمعاملة غير الإنسانية، كان الحد الفاصل فيها هو الضرب العنيف الذي تعرضت له من أحد الأسياد الذين عاشت معهم، ضرب لا إنسانيّ أورثها جرحاً كبيراً في رأسها، تسبب لها بصداع ملازم لم يفارقها كلّ عمرها الباقي، رافقته خيالات وأحلام وأفكار شبيهةٌ بالهلوسات.
هذا مهد الطريق لأرامنتا التي حملت بعد زواجها اسم هارييت توبمان، التفكير في التحرر والسعيَ إليه، فخططت للهروب من حيث كانت تقيم في فيلادلفيا وهذا تماماً ما حصل عام 1844، حيث تسللت هارييت تحت جنح الظلام دافعةً عنها ثقل العبودية، وسائرةً بثقة وثبات نحو حرية طالما اشتهتها.
لم يدم الأمر طويلاً، إذ سرعان ما راودها شعور المسؤولية نحو من خلفتهم وراءها، كل هؤلاء الآخرين الذين لم يعرفوا معنى عبور نسمة هواء طيبة في شعرهم، نسمةٍ تخصهم وحدهم، لا تمر إليهم عبر واسطة السيد والمنّة.
خططت هارييت مجدداً للعودة، لكنّها عودةٌ مختلفة هذه المرة، عودة ثائر محرّر لا عودة عبد ذليل، عادت تحت جنح الظلام، ومعها هذا الكم من الكلمات ترتبها و تزيِّنها لتخبر بها عائلتها، كم هي هذه الحرية أمر يستحق.
ساعدت هارييت في تلك الفترة بتحرير أكثر من سبعين عبداً عن طريق تهريبهم شمالاً، نحو الولايات التي حظرت العبودية.
استخدمت أثناء الهرب شبكات السكك الحديدية الممتدة تحت الأرض، وقد قادت العبيد الآخرين في جماعات صغيرة، مساعِدةً كل جماعة للوصول إلى مأمن.
وجديرٌ بالذكر أنه وأثناء عودتها الأولى لإنقاذ عائلتها، فوجئت هارييت بأن زوجها استغل غيابها ليتزوج ثانيةً، وحين حاولت إقناعه بالهروب، رفض الأمر واختار العبودية الآمنة على الحرية الخطرة.
أما نشاطات هارييت فلم تتوقف عند هذا الحد، حيث سعت إلى المزيد، فعُرِفَت بمحاولاتها في الأوساط السياسية، كناشطة ومطالبةٍ بحقوق العبيد، ثم كناشطة في القضية النسوية، والمطالبة بحق المرأة في التصويت والانتخاب.
صارت هارييت مصدر إلهام بشجاعتها وإصرارها على الدفاع عن الحريات وحق الإنسان في أن يمتلك زمام أمره وحده، وقد عُرِف اسمها لا على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، بل على مستوى العالم أجمع، بحيث تُذكر في كل محفل كواحدة من الذين حاربوا وقاوموا و سعوا لتحقيق وحماية فكرتهم.
توفيت هارييت توبمان لاحقاً في عام 1913 في إحدى دور المسنين، متأثرة بإصابتها القديمة.
ومن أشهر مقولاتها الباقية: “الآن أصبحت حرة، أعرف ما هي العبودية الرهيبة. لقد رأيت المئات من العبيد الهاربين، لكنني لم أر أحدًا أبدًا مستعدًا للعودة للعبودية”.