ثقافة

هل يستخدم أصدقائي الشعراء على الفيسبوك عطر شانيل؟

هل يستخدم أصدقائي الشعراء على الفيسبوك عطر شانيل؟

بقلم: عامر الطيب

تحول عطرُ شانيل من ماركة تجارية إلى ماركة شعرية بفضل استخدامه بكثرة ، رشه على النصوص لا على الأجساد و القمصان ، استعارته ليكون صوت الحبيب إن كان الشاعر/ة غرائبياً رائحته إن كان الشاعر / ة عفوياً .

الاستعارة الفجة التي تعاد و تكرر بين فترة و أخرى من شاعر لآخر دون إخبارنا ان كان العطر فعلاً هو المفضل لدى الشاعر أو محبوبه أم أن أعذب الشعر أكذبه و خلص.

“شانيل” هي شركة فرنسية لتصميم الأزياء الراقية وتصنيع الملابس الجاهزة والإكسسوارات ومستحضرات التجميل والعطور تعود ملكيتها للشقيقين “ألاين ويرثيمير وجيرارد ويرثيمير”، حفيديّ “بيير ويرثيمير”، الذي كان شريكا تجاريا في الأوائل لـكوكو شانيل. في شبابها و يشترك في ملكية هذه الشركة عدد لا بأس به من الشعراء و الشاعرات العرب أيضاً

 اكتسبت غابرييل شانيل لقب “كوكو” من وقتها كمغنية. كمصممة أزياء، قامت كوكو شانيل بتلبية ذوق النساء للأناقة في اللباس، مع البلوزات والبدلات والسراويل والفساتين والمجوهرات (الأحجار الكريمة والمصوغات) ذات التصميم البسيط، والتي حلت محل الملابس الفخمة والإكسسوارات ذات التصميم المفرط من أزياء القرن التاسع عشر.

و بالعودة للعطر كماركة شعرية لا كمادة ساحرة،

يحاول بعض الشعراء إسناد حداثتهم على استخدامهم بعض الكلمات الأجنبية أو إسناد بساطتهم و واقعيتهم و إحساسهم اليومي على كلمات دارجة في اللهجة فها نحن نقرأ في نصوص عديدة كلمات شعبية من قبيل (دخيل عيونك) أو (دخيل قلبك) أو ( يلعن سماك) إذا كان الشاعر غضباناً كما يجري لطش الكثير من أغنيات فيروز بسبب و بدون سبب لدى بعض الشعراء الأحبة من الشوام الذين يبدون هم أكثر من يلمع قصيدته بالمفردات الشعبية معتمدين في ذلك على سلاسة لهجتهم و عذوبتها و سبق للسياب أن استخدم كلمة شعبية ( خطية) في قصيدته غريب على الخليج قائلاً:

 بين احتقار و انتهار و ازورار أو خطيّة. و الموت أهون خطية!

و برأيي أن المفردة شوهت الشطر الشعري و لعل القافية أو الشعور بالغربة هو ما اضطره لاستخدامها.

و إذا ما كان النص عن المحبوب فلا بد أن يكون عطر شانيل هو المخلص ،باستعارته أو باستعادته للشكوى أو للإثارة أو لتعطير النص الشعري فقط .

الاستعارة لغوياً هي نقل شيء من حيازة شخص إلى حيازة شخص آخر ” من كوكو شانيل إلى أي شاعر ” .

حسب الجاحظ و ابن قتيبة فإن الاستعارة في الشعر هي نقل لفظ من معناه الذي عرف به إلى معنى آخر لم يعرف به كما تستخدم العرب لفظ السماء بمعنى المطر أو الليث بمعنى الرجل الشجاع أو الندى بمعنى الكرم و يتم ذلك لإيضاح الفكرة أو تحسين الصورة و للمتعة الذهنية أيضاً فاللغة الشعرية تحاول التلاعب بمفردات اللغة اليومية و من ذلك يعتبر الشعر صنعة أو غرفة تصنيع و تسليع و تدوير أيضاً.

 و قد مدح عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى لأنه لا يعاظل بين الكلمات و يقصد إنه لا يستخدم الاستعارة بفجاجة و كثرة فالمعاظلة هي ركوب الجرادة على الأخرى إذ لا يبدو ممتعاً استعارة شانيل عن رائحة يد الحبيب المتعرقة في هذا الصيف الحارق مثلاً .

يفترض إذن أن تكون استعارة الشاعر غير متكررة و غير موغلة في البعد و الاستهجان و المقت من قبيل الاستعارة الساذجة لابن المعتز :

كلُ وقتٍ يبول زبُّ السحابِ.

 الاستعارة موجودة لتؤثر ،لتدهش، لتواجه الجمود اللغوي و لتكسره ،فما الداعي من تكرار الاستعارة؟ من تحويل الكلمة المستعارة إلى كلمة عابرة و عادية؟ هل يبدو جديداً إن وصفنا رجلاً شجاعاً بالليث الآن؟ ألا تضعنا الحداثة أمام وعي آخر ينظر لليث كصفة افتراس لا كصفة شجاعة فقط ؟

ألا ينبغي أن تحمل الاستعارة فرادة و متعة و ادهاشاً و بساطة مثل ذلك الإعلان الذي يورده تيرنس هوكس في كتابه عن الاستعارة ” ليست القبعة سر الجمال إنما من يرتديها” وهو إعلان عن سيارة !

لا شك أن للعطر أهمية فريدة في مفاصل حياة الإنسان في الحب و الزواج ،في استقبال الضيوف و في السفر و في الشعر ، تقول العرب عن الرجل أو المرأة إذا كانت لهما رائحة طيبة رجل عطر أو امرأة عطرة و يعلق بعضهم على الفيسبوك ” شكراً لمرورك العطر” و يروى عن النبي قوله:

(حببّ إلي الطيب – وهو العطر- و النساء و قرة عيني الصلاة “. وقد كانت العرب تعطر أصنامها و تبخرها وما زال الناس يفعلون ذلك في أضرحة الأئمة بل و عند قبور موتاهم جميعاً فالعطر هنا ليس مادة الزينة إنما لطرد الخوف و الشر أيضاً.

ولأهمية العطر في حياة العرب كان العربي يحلف ألا يلمس عطراً حتى يأخذ ثأره وذلك تحفيز له على الاستعجال بأخذ الثأر فقد حلف دريد بن الصمة ألا يتعطر ولا يكتحل حتى يأخذ بثأره.

في القرآن نقرأ ” و ختامها مسك” وهي استعارة تتم استعادتها حتى الآن و المسك هو العطر الذي يستخرج من دم الظباء بعد صيدها و ذبحها .و كذلك كان لدى العرب عطر العنبر وهو ما يستخرج من الحيتان. أما العود و الصندل و القرنفل فإنها عطور نباتية.

لعل بلاد النيل و بلاد الرافدين من أوائل الأمم التي عرفت العطر

فقد كان العراف العراقي يغتسل بمعطر ليحصل على رؤياه وكانت المعابد تمتلىء بالأبخرة لأن الالهة تبتهج بالروائح العطرة كما إنهم يعتقدون أن حرق البخور يطرد الأرواح الشريرة يبدو أن العراقيين يدللون آلهتهم على الدوام لكن الآلهة هي التي تفعل العكس!

أما المصريون فقد حضرت العطور كمادة أساسية في تحنيط موتاهم أيضاً معتقدين إن العطر يساعد على الخلق و التكوين

بل كانوا يسمون البخور” عرق الإله” الذي سقط على الأرض.

مما سلف يبدو إن للعطر  أهمية و دلالة على الأمن و البهجة و الفرح و لا شك أن يكون له بعد ذلك سهم كبير في الأشعار و الآداب فلم الضجر من استعارة عطر شانيل إذن؟

إنها استعارة مكرورة أولا و بفجاجة و إن صاحب الاستعارة غالباً  قد لا يكون شانيل هو عطره المفضل معتقداً إن الخيال هو ما يسمح له بالكتابة عن مدن لم يزرها أو حيوانات لم يصارعها أو عطور لم يستخدمها و ذلك إن كان جائزاً فقد لا يكون مدهشاً أو صادقاً في النص الشعري.

شخصياً لا أتذكر إنني استعرتُ اسم أي عطر في نصوصي مفضلاً أن اكتفي بكلمة عطر ذاتها فقط للدلالة على فُوضويتي باستخدام عطر واحد” أضع على جسدي غالباً كل ما تقع عليه عيني، اللهم حتى لو كان مسك السيدة الوالدة برائحته العجائزية التي تطرد الشر –

أما في ترفي الضئيل فإن عطري المفضل هو بوس ” Boss” لأنني أبجلُ البوسَ ولأن البوس لن ينتهي في هذا العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى