ويتني هيوستون سودانية: خالد جهاد

ويتني هيوستون سودانية
بقلم: خالد جهاد/ فلسطين
لكل وطنٍ وثقافة مبدعوها الذين قد لا نعرفهم أو لم يصل إلينا ابداعهم بسبب الإعلام أو بعد المسافات إلا في حالات ٍ استثنائية ونادرة، قد يكون أحدها هو تواجد هؤلاء المبدعين في بلدٍ كبير ذو تأثير ٍ عالمي كالولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ رئيسي أو بعض البلدان الأوروبية، ولا شك أن الثقافات الإفريقية هي ثقافات غنية عميقة ومتنوعة ظلمت على مدار التاريخ الإنساني وتعرضت للتمييز العنصري والتعامل المجحف والذي لا زال مستمراً حتى الآن لكن مع اختلاف الطريقة التي تسوق بها إلى الناس..
فقد تم بالفعل تجريم أي تعاملٍ عنصري مع الأفارقة أو المواطنين من أصول إفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال إلى جانب دول عرفت بتاريخها الإستعماري كبريطانيا وفرنسا، كما أننا نرى منهم الممثلين ولاعبي كرة القدم عدا عن فوز الكثيرات في مسابقات ملكات الجمال واعتلائهن لمنصات عرض الأزياء كالعارضة البريطانية الشهيرة في عقد التسعينات نعومي كامبل، لكن كل هذا يتم استخدامه لتبييض الصورة العنصرية للغرب والتي تستخدم كل هذه الوجوه والأسماء لإثبات واقع غير موجود في نفس الوقت الذي يتم فيه نهب ثروات القارة السمراء وبعد ثبوت ضلوع فرنسا على سبيل المثال في العديد من الأحداث المشينة مثل مجازر راوندا المروعة عام ١٩٩٤ والتي تبيضها من خلال برامجها الفنية وأحداثها الرياضية والثقافية التي لا تنطلي إلا على جاهل أو ساذج أو مستفيد.
وكانت البرامج الحوارية الغربية تشتعل عند مناقشة القضايا الساخنة كالعنصرية والهوية واختلاف الثقافات بين الشعوب والتي تنتهي في العادة بين مؤيدٍ ومعارض، فالإستعراضات التي تؤديها (بيونسيه) والروائع التي غنتها (ويتني هيوستون) والبرامج التي قدمتها (أوبرا وينفري) والأدوار التي مثلها (دينزل واشنطن) والأعمال الأدبية التي كتبتها أسماءٌ هامة مثل (أليس والكر ومايا أنجلو وتوني موريسون) رغم شعبيتها إلا أنها لم تستطع أن تغير الحقيقة التي تنام كنار تحت الرماد ولم تفلح ماكينة الدعاية الغربية في تبديدها، فمشاعر الغضب المتأججة التي يشعر بها المواطنون من أصولٍ إفريقية بسبب تهميشهم والتجاوزات التي تتم بحقهم ليست عابرة وما حادثة الإعتداء التي راح ضحيتها (جورج فلويد) وهزت العالم إلا مثالٌ دامغ على ذلك، بغض النظر عن حدوثه بشكلٍ دائم مع الفلسطينيين دون أن ينال أي صدىً يذكر، إلى جانب العديد من المناسبات الفنية مثل حفل توزيع جوائز الأوسكار التي قاطعها الفنانون بسبب استثنائها المتكرر للممثلين من ذوي البشرة السمراء من التكريمات التي تقتصر على البيض، والتي تجعل منهم مجرد ديكور في حضرة منظمي الحفل وضيوفهم..
ولا نستطيع عند الحديث عن أي موضوع محاباة طرف على الآخر لمجرد الخصومة معه كما يحدث مع الغرب الذي استنفر لإستيعاب اللاجئين الأوكرانيين بينما كان لا يمانع من موت الكثير من العرب والأفارقة على حدودهم رفضاً لإستقبالهم، وهنا يجب أن نتوقف لنتحدث عن وجود واقعٍ عنصري مشابه لكن بشكل ٍ مختلف في بلادنا لأن الكثير من ذوي البشرة السمراء هم مواطنون أباً عن جد ولهم نفس الحقوق التي يحرمهم منها المجتمع أو يعطيها لهم وسط غمزٍ ولمز معتقداً أنه أفضل حالاً أو أرفع شأناً وهو قطعاً غير صحيح، لكن العالم بشكل عام اعتاد الكيل بألف مكيال فكل المشاهير الذين ذكروا في بداية المقال لم يكونوا ليحققوا ذات النجاح حتى وإن امتلكوا ذات الموهبة والمقومات إن كانوا يحملون جنسيات ٍ عربية أو إفريقية، وبكل أسف فإن جنسيتهم الأمريكية كانت جزءاً هاماً من نجاحهم.. فلو تخيلنا أن ويتني هيوستون سودانية أو بيونسيه نيجيرية أو أوبرا وينفري من ساحل العاج أو دينزل واشنطن من كينيا لما كان العالم ليفتح ذراعيه لهم.. لأنه اعتاد الخضوع للقوة والسلطة مستخدماً الشعارات الإنسانية فقط عند حاجته إليها.