نصوص

لعنة أصابت غزة منذ زمن بعيد

لعنة أصابت غزة منذ زمن بعيد

بقلم: منة بشير/ غزة 

نمارس-مثل كل حرب- طقوس لم ولن نعتدها، نجلس جميعاً في الطابق الأول، ظناً منا أنه الأكثر أماناً في وقتٍ لا أمان فيه، صوت انفجارٍ قريب، نظرات قلق وتوتر، تظهر على قناة الجزيرة صحافية ليست شيرين -هذه المرة-، الجميع بانتظار سماع خبر وقف إطلاق النار، لكننا لا نسمع سوى دوي غارة جديدة.

في غرفة لم أستطع تحديد إن كانت شرقية أم غربية، ينسل صوت أخي الصغير ذو العشر سنوات:

-ماما الصاروخ بيوجع؟

لم أسمع جواب أمي، فقط سمعت السؤال مرة أخرى، ظلّ يتردد في ذهني قليلاً، هل “الصاروخ” مؤلم حقاً؟ فلنفرض أنه سقط على البيت، ما الذي سيكون أكثر إيلاماً؟ سقوط البيت أم سقوط البيت على رؤوسنا؟ فلنفرض أننا لم نمت؟ هل سننجو جميعاً؟ فلنفرض أن الجميع نجا، هل نجا البيتُ أيضاً؟ لا، لم ينجو. ولم ننجو.

تسألني صديقة إذا ما كنت بخير، فأجيب أنتِ بخير.

لم أكن بخير، وأعلم أنها هي أيضاً ليست بخير، وأعلم أنها تعلم أنني لستُ بخير. وكلتانا لا نعلم لمَ قلنا أننا بخير.

انفجار قريب، غارة جديدة، يُشل الوقت في أكثر وقتٍ أريده أن يمشي فيه، لا زلتُ أخاف الليل مثل طفلة واثقة تماماً بوجود شبح أسفل السرير أو داخل الخزانة. أخاف الليل واثقة تماماً بوجود شبح خارج النافذة، واثقة تماماً بإحتمالية عدم استيقاظنا صباحاً.

انفجار قريب، غارة جديدة.

هل ترانا الحرب؟

الحرب، تُرى وتُسمع، ولا تَرى ولا تَسمع، الحرب، وحش يلتهم كل ما يظهر أمامه بتلذذ ونهم. الحرب، امرأة عقيمة تكره وجوه الأطفال، فتحاول جاهدةً ابتلاع كل طفلٍ يظهر أمامها. الحرب، امرأة قبيحة تشمئز من وجوه النساء الجميلات، فتحاول جاهدةً ابتلاع كل امرأةٍ تظهر أمامها.

الحرب، امرأة تكره وجوه الرجال، فتحاول جاهدةً ابتلاع كل رجلٍ يظهر أمامها. الحرب، ممحاة الأبد. الحرب، لعنة أصابت غزة منذ زمنٍ بعيد، وهل يُشفى من اللعنات؟

انفجار قريب “قريب جداً هذه المرة”، غارة جديدة، تقول مكان الانفجار تلك الصحافية التي ليست شيرين، مكان قريب، خيّل إلي أنني أعرفه، على كل حال دعوت ألّا يكون قد أُصيب أحد، وقبل أن أنام -وأقصد هنا أن أخطف ساعة نوم قبل حدوث انفجار جديد- راجعت يائسةً بعض الأشياء:

– صليتُ الصلوات جميعها.

– لدي عدد لا بأس به من الأصدقاء الذين -ربما- يمكنهم تذكري في حال لم أستيقظ.

– لم أفهم درس الفيزياء بعد، لكن لا بأس بذلك، فالفيزياء ليست أكثر تعقيداً من الحرب.

– لم أنهي”شرفة الهذيان” -لإبراهيم نصر الله- بعد، لم أنهي كتابة قصيدة نسيتها على حافة المكتب…

 

انفجار جديد، غارة جديدة.

 

لستُ جاهزة، لستُ مستعدة، ليس الآن، ليس بعد، لا أعرف إن كان “الصاروخ بيوجع” أم لا، كل ما أعرفه أنني لا أريد أن أعرف،

لا أريد

الآن على الأقل.

 

انفجار جديد، غارة جديدة…

 

زر الذهاب إلى الأعلى