فنون

أم كلثوم: قِــيــثــارة الــشَّـــرق الأَزَّلـــيِّــــة

قِــيــثــارة الــشَّـــرق الأَزَّلـــيِّــــة

بقلم: كاتيا إسكندر/ كاتبة سورية 

تَزَّعزعت دَقاتُ القَلبِ مَا بَيِنَ الانتظامِ والعَشوائِيَّة حَتى تَوقفَت فِي تَمام السَّاعة الرَّابعة وَثلاثِين دَقيقة فِي الثَّالث مِن فِبراير/شُباط الوَاقع فِي سَنة ١٩٧٥م..

وَ هُنا وَقَعتَ عَلى آَذانِ الشَّرقِ الأَوسطِ بِرمَتهِ حَادثِةٌ مُفجِعَةٌ مَفادها وَفاة (فَــاطِــمــة إبراهـيـم السَّــيِّـد الِـبِــلتـاجِـــي) المَشهورة بِكنيتها الرّائجة: ( أُم كُــلــثُـــوم)، الخَبر الَّذي زَلزَلَ مَصرٍ بِرُمتِّها فَسارعتْ الدَّولةُ المِصريِّةُ إِلىٰ تَشييِّعها بِجنازةٍ مَهيبة، بَينما خَرجَ إِلى شَوارع القاهرة ما يُقارب الأَربعة ملايين عَاشِقٍ مِن عُشاقِها ليِرثونها غَير مُؤمنين بِخَبرِ وَفاتِها ،فِي حُشودٍ قد فَاقَت جَنازة جمال عَبد النَّاصر بأَشواطِ..

َرُوحها التِّي غَادرت جَسدِها عَن عُمرٍ نَاهز ال ٧٦عَاماً وِفقاً لِما وُردَ عَن لِسانِ بَعض المؤُرخين عِلماً أن تَاريخ وِلادتها اختلف عَليه الَعديد وحَتَّى سَبب الَوفاة شَهِدَ الكَثير مِنَ التساؤُلات وكَان مُبهماً بَعض الشَّيء ولّكن رُسيَّ أَخيراً بِأَنَّ الوفاة كانت بِسب مَرضٍ كُلويٍّ مُزمِنٍّ..

 

( ٤٦ )سَنةً قَد مَرَّت عَلى رَحيل هَذهِ الأَيقونة العَظيّمة ولا زالَ تَأثيرَها يَتغَلغل كَخيوطِ الشَّمسِ بَينَ مُختلف الأجَيال والأَعمار

كَريفيّةٍ ثَائرة قَدِمت مِن أَقصى الرِّيف وغَيِّرت النَظر للِنساء المُغنيات كوسيلة لِلتسلية إِلى وَسيلة مُنشدة ديِنية طَربية ذَات تَأثير عَميق وَدور فَعّال، وقد صلت وحَققت كُل أَحلام السَيدات فِي زَمانها، وَبِدايتها كَانت مَع والدها الذي كَان يَعمل كَمُنشدٍ دِينيٍّ وَكانَ يَأُخذها كَمغنيّة للأَغاني فِي الأَعراس وَمُنشدة فِي المُناسبات الدينيِّة وَ كان يَعرضُها عَلى أَنَّها صَبيّ نَظراً لأنَّه لَم يَكُن يُسمَح للِمرأَة أنذاك المُجاهرة بِالقُرآن عَلى المَسامع فِي المُناسبات، وَمِن ثُمَّ بَدأَ يُذَاعُ سِيطها وأَصبَحت تُغني فِي مَنازل الأَثرياء، وإِمَّا عَن نِقطة التَّحول الأَساسية فِي مَسيرتها كَانت عِندما لاحظَ مَوهِبتها القَاهِرة المُغني الشَّهير (أبو العُلا محمد) وعَازف العود (زَكريا أَحمد) وكَانت القُنبلة عَندما قَبِلَت دَعوة أَحمد إِلى القَاهرة وانتقلت هِي وأُسرتها..

وَأمَّا عَن المَرحلة المِحورية فِي حَياتِها كَانت فِي عَام (١٩٢٦م)،عِندما وَقعت عَقداً مَع شَركة تسجيلات لأَقراص الغرامافون تَتضمن راتباً سَنوياً لها بالإِضافة إِلى نِسبة لا بأس بها عَلى كُل قُرص، وهَذا ما سَاعدها كَثيراً فَعِندما وَقفت عَلى قَدميها اقتصادياً ذاعَ سيطُها بِشَكلٍ لاذع وأَصبحت تَظهر عَلى الأَعين كَمؤدية مُحترفة وبِملابس عَصرية رائجة، وَفي نَفسِ الفَترةِ الزَّمنية قَد تَعرّفت عَلى الشَّاعر أحمد رامي الذي كَتب لها (١٣٧) أُغنية، إِضافة إِلى المُلحن محمد القَصبجي الذي لَّحن لها الكَثير.. إضافة إلى إبراهيم الناجي، ومحمد عبد الوهاب..

وَلم تَكن بَصمة أُم كلثَوم فَقط عَلى صَعيد الغناء، لا وبل عَمِلت عَلى تَرك أَثر لَها فَأنتجت ومثَّلت فِي العَديد مِن الأفلام ذات الصبغة الرومانسية وَمن هَذهِ الأفلام: (وداد)، (دنانير)، (نشيد الأَمل) وَلا بُد أَيضاً أَن نَتطرق لِذكر فِيلماها الأَشهر (سلامة ) وَ (فَاطمة)، وَلم تَتوقف هَذهِ الجَبارة هُنا بَل قَامت أَيضا بِإِنشاد الشعر العَربي فِي حَفلاتها بِطريقة غِنائِية جَعلت الجَميع يَحفظهَ عَن ظَهرِ قَلبٍ لِما كَان يَجمع بَينَ قُوة صَوتٍ جَبارٍ وَلَحنٍّ عَربيٍّ أَصيل، وقَد مُلأت جُعبَتُّها بِرَصيِّدٍ هَائِلٍ مِنَ الأَغاني التِّي كَان أَشهَرُها: أَنا وأنتَ ظَلمنا الحُبّ ، الأَطلال، هَجرتَّك يِمكن أَنسىٰ هَواك..

وَفِي خَمسينيات القَرن المَاضي بَدأت الوعكَات الصحية تُصيبها وبدأت حَالتها بالتدهور، وقَد تَزوجت مِن طَبيبها في عام ١٩٥٤م، فضلاً عَن عَددٍّ هَائِلٍ مِن الإِشاعات التِّي قَد طالتها بِزواجات مُتكررة لها، وَقد طَالتها الكَثير مِن الإِشاعات عَلى مُختلف الأَصعدة والنّواحي وحاول كَثيرون تَشويه سُمعتها الفنيِّة والشَّخصيِّة، ولَكن تَأثيرها كَان أَقوى، كَان أَزليِّاً، شَديِّد البَقاء، إِنَّها قِيثارة الشَّرقِ بِرُّمتهِ، إِنَّها المُكافحة،الفَرس الأَصيلة، شَجر الزَيتون، الكَوكب الذي أَسكَرَ بِخَمرِ حُنجرتِهِ أَجيالاً بِضَهِرِ أَجيال،إِنَّها ( أُم كُــلـــثُُـــوم)..

زر الذهاب إلى الأعلى