ثقافة

الأسلوبية والنص: في تقنيات كتابة العمل الروائي

الأسلوبية والنص

بقلم: الأستاذ فضيل الغباري

الأسلوبية stylistic)) تتعلق بالشكل الذي قدم فيه الراوي أو الكاتب النص باعتبار أن الشكل هو الأداة التي تتضمن المحتوى، ورغم التفسيرات غير الدقيقة المتداولة لمقولة الجاحظ: من أن الموضوعات ملقاة على الطريق، لكثرتها وأن الشكل من الأهمية بمكان بالنسبة للكاتب، إلا أنه من الجدير بالتنويه أن الجاحظ كان ميالاً لفكر المعتزلة, وهم الذين اهتموا بالعقل في مقابلة النص في مواجهة فكر العامة. وبخاصة في قضية (هل كلام القرآن) مخلوق أم قديم.

المهم في الأمر, أن الشكل الذي يحتوي النص, يتضمن كل أدوات الروي أو القص من شخوص وعلاقات وحوار وحبكة وعقدة ونهاية … إلخ.

لذلك فالأداة تبين وتظهر (الصوت ) الذي يطغى على العمل. بمعنى أن كل قص أو روي, يظهر فيه ذلك الصوت في افتتاحية الرواية أو القصة.

ويتتبع ذلك الصوت من خلال الخاصية الصوتية voice markers تلك الخاصية تتضمن محتوى الصوت ونغمته ودلالته السيميائية كصوت ذكر أو أنثى مثلاً, وطبيعة عملها ومستواها الثقافي.

أي ما يعرف ب content matter ثم من خلال التعبيرات الشخصية   subjective expressions التي تظهر معتقدات الشخصية.

ورويتها للعالم وأيضا من خلال الإيحاءات المتداولة إلخ  pragmatic signals

وفي كل عمل ينظر إلى الافتتاحية التي هي بداية العمل, وما الأداة الظاهرة فيه، أي أداة التخاطب (الأنا / هو / هي / نحن ) فتلك الأدوات تعد مفتاحاً لفهم النص وأسلوب “الكاتب الضمني” خلال عملية السرد.

والفرق التقني المتاح من تلك الإمكانيات, يتجلى في أن ضمير (الأنا) يمكن الكاتب من التحدث عما يتعلق به , لكنه يفقد حضوره حين يتحدث عن الأخر. أما ضمير (هو) فهو يعطي الكتاب إمكانية الظهور في عدة أماكن دون عوائق.

فحين تظهر (الأنا أو نحن) في النص المقروء, فذاك يعني أن النص من نوع المتجانس. أي سرد الحكي الداخلي  homo digietice narrative بمعنى أن القصة تسرد من خلال احد شخوصها وعلى لسانه

أما أن كانت الأداة (هو) فذاك يعني أننا بصدد سرد حكي خارجي غير متجانس أي أن سرد الحكي يتم من خلال شخص أخر غائب hetro digitice narrative

مثال ذلك :

1- نص مقتبس من رواية رجل من غلاسكو للكاتب وليم سومرت موم

[ وفي داخل هذه الغرفة كان المالك جالسا يلعب الورق مع بعض الأصدقاء، لم يبتهج المالك برؤيتي، رمقني بنظرة خاطفة عندما أخبرته المرأة أنني أريد غرفة , قال لها :- أعطه الغرفة رقم 5. ثم تابع لعب الورق، رافقتني المرآة التي بدا واضحا أنها الخادمة إلى الغرفة رقم 5]

2- للنظر في نص مقتبس لذات الكاتب من قصة “ماكينتوش” إذ يقول .. بعد تناول الفطور مشى ماكينتوش على العشب اليابس إلى كوخ كبير كان مكتبا له . ومع أن الوقت كان ما زال مبكرا في الصباح , فقد بدأت الحرارة تزعج ماكينتوش وتشعره بعدم الارتياح ]

لاحظ في النص الأول أن المتكلم هو الشخصية بذاتها بضمير ” الأنا ” بينما في القصة الثانية استخدم ضمير

“هو” لذلك يسمى النص الأول بالنص المتجانس الحكي, أما الثاني فهو نص غير مباشر اي غير متجانس الحكي.

وتحليل النص الأول من حيث الإمكانية, أعطت الشخصية إمكانية الحديث عن نفسها فقط لحضورها في الحدث، لكنها فقدت تلك المكنة إن رغبت بالحديث عما دار خلفها. فالشخصية تحدثت عن مرافقتها للخادمة ومالك الفندق الذي كان يلعب الورق مع أصدقائه. لكنه لا يستطيع الحديث عما يدور بين المالك وأصدقائه خلال لعب الورق، لكن تلك الإمكانية تتوفر للشخصية بضمير (هو) لنجرب ذلك بحذف ضمير الأنا واستبداله بضمير هو كنص تجريبي…

([ وفي داخل هذه الغرفة كان المالك جالسا يلعب الورق مع بعض الأصدقاء . لم يبتهج المالك لرؤية الزائر . رمقه بنظرة خاطفة عندما أخبرته المرأة أنه يريد غرفة , قال لها :- أعطه الغرفة رقم 5 . ثم تابع لعب الورق . رافق المرآة التي بدا واضحا أنها الخادمة إلى الغرفة رقم 5. وصار الزائر حديث الملاك ورفاقه إثناء لعبتهم للورق )] الجملة الأخيرة المضافة يمكن كتابتها دون الإخلال بمصداقية الراوي لان ضمير الغائب ” هو”  أتاح لها وضع تلك الجملة أو حذفها . لكنها لا تتوفر لضمير ” أنا ” الذي لو فعل ذلك لقال له القارئ الذكي… كيف عرفت ذلك لتتحدث عما دار خلفك بعد أن غادرت مكان المالك ورفاقه , وقد ذهبت للغرفة رقم 5

ربما يمكنها الإشارة لذلك أن سمعت بعض كلمات النم عليها وهي في طريقها للغرفة رقم 5 لكنها لا تستطيع نقل كل ما قيل عنها كما يفعل ذلك ضمير “هو”.

إذن فالسارد هو الذي يقدم الكلام من خلال حضوره أو غيابه بدلالة الضمائر التي يستخدمها كأداة سيميائية semantic تفصح عن أسلوبه. يقول دكتور مرسل العجمي  في كتابة الواقع والتخييل ( أن السارد هو المسؤول عن تقديم الكلام هما حاول أن يقلص حضوره كي يوهم القارئ بواقعية الحكاية أو حيادية النظرة أو أنية الأحداث) فالكاتب يقدم صورة ذهنية مرتسمة في ذهنه, للقارئ الذي يتخيل صورة ذهنية أخرى ارتسمت في ذهنه من سياق الكلام، كما ذهبت لذلك الدكتورة يمنى العيد في كتابها ” تقنيات السرد في ضوء المنهج البنيوي.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى