مجتمع

الحرب والضحك: صفاء حميد

الحرب والضحك

بقلم: صفاء حميد- اليمامة الجديدة 

“الميمز” أو الصور المضحكة، حرفة عظيمة، أعتقد أنها صارت بامتياز حرفة الإنسان المقهور في زماننا، يحوّل فيها ما يعتريه من سوء إلى نكتة، كمحاكاة لروح العصر ربما، الباحثة عن السرعة والخفة والمتعة، أو كتعبير عن الضيق الكامن والقلق من مآلات الأمور، لا أرى الأمر في العمق إلا  كما قال عنه ابن خلدون منذ زمن بعيد:
يقول ابن خلدون: «إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم، وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور.

صباح أمس، اشتعلت الساحة الدولية بخبر الحرب، لقد فعلتها روسيا أخيراً ونفذت تهديداتها بالتقدم خطوة نحو أوكرانيا، كان الخبر منتظراً بطريقة ما، لكنه أوقع تأثيرات مختلفة على الناس، ولست في صدد الحديث عن التأثير السياسي أو الاقتصادي،  بقدر ما أودّ تسليط الضوء على الأثر النفسي الاجتماعي.

قضيت وقتاً طويلاً أتنقل بين صفحات الفيسبوك، حيث انتشرت الكثير من الصور المضحكة تتحدث حول الأمر وتتندر بنكات بعضها قديم مكرر وبعضها جديد مبتكر،  تجتمع كلها في تحويل حدث عظيم كهذا إلى مادة للسخرية.

نكات مثل رغبات الشباب في تعلم لغة بلد ما ليتزوجوا من نسائه حين يجيئون إليهم لاجئات ومثل التندر على فكرة أنها المرة الأولى التي تحصل فيها حرب لا يكون العرب أحد أطرافها، نكتة اخرى حول التغريبة الجديدة، والمشردين الجدد الذين يعدون بعضهم بأن الأمر لن يستغرق أكثر من ساعتين قبل العودة إلى البيت.

الحرب ليس أمراً يحتمل الأبيض والأسود، إنها سوداء دائماً بكل مخرجاتها ومعطياتها، سواء كانت في أرضنا أو في أرض جيراننا، أو في المريخ، لا يحكم أحد على الحرب بكونها أقل سوءاً، الحرب وسيلة لغاية وهي أقذر الوسائل إطلاقاً.

تحويل الحرب إلى نكتة وكما أسلفت في قول ابن خلدون هو شكل من أشكال محاولة الإنسان المقهور أن ينفث عن نفسه شيئاً من الغيظ الذي يحياه بشكل يوميّ.

لقد قاسى الناس في هذه البلاد زمناً طويلاً من الظلم والقتل والتهميش والفقر، حوّلهم إلى آلات باحثة عن المتعة والضحك، لا سكترث الناس حقاً لأمر الحرب إنها في رأيهم لا تؤثر في أمور نعيشتهم اليومية، إنها بعيدة جداً طالما أنهم لا يزالون قادرين على أن يخرجوا إلى أعمالهم وأن يعثروا علي رغيف من الخبز في المخبز القريب من بيوتهم.

إنهم يتعاملون معها كشيء خارج عن نطاق تصورهم، شيء يحدث في عالم آخر بعيد بحيث يكون لا بأ من الضحك عليه، فهو لن يمسّنا على أي حال.

في ذاكرتهم البعيدة التي عاشه البعض أو اكتشبوها من الموروث الحرب قاسية وبشعة وظالمة، لا تبقي ولا تذر، الحرب خوف دائم وتقتيل لا نهائي قد يصل لأن يكون بلا هدف.
لذا يحاولون اليوم صناعة النكتة من هذا الوحش الهائل، تجاهله بتحويله إلى مادة للسخرية، ليمسحوا تلك الصورة القديمة عن الوحش الذي يأكل الرجال ويثكل النساء، سيتزوجون اللاجئات وسيتشرد الناس عن بيوتهم وستكون الحرب أمراً جيدة طالما هي ليست هنا.

كلها محاولات لصنع صورة جديدة لحرب أقرب إلى الرسوم المتحركة من الواقع، تكون كل تأثيراتها قابلة للتعامل معها، فلا آثار نفسية ولا آثار جسدية ولا خسائر.

حرب كهذه، حرب كوميدية بالكامل هي الصورةا لتي يرغب أبناء اليوم أن يحتفظوا بها بديلاً عن الصورة القديمة.

لكنني أتساءل،  لو كانت الحرب هنا، فهل ستكون ردود الفعل أكثر اختلافاً؟

زر الذهاب إلى الأعلى