ملفات اليمامة

الرواية الفلسطينية من النشأة إلى القضية

الرواية الفلسطينية من النشأة إلى القضية

هيئة التحرير

إن الرواية الفلسطينية نشأت منذ مطلع القرن العشرين وتطورت تدريجياً مع الأحداث التي مرت على فلسطين، ولعل الترجمة عن اللغات الأجنبية كان لها الدور الأبرز في التأسيس لرواية فلسطينية تتحدد بملامح خاصة، وكانت الجهود الأولى في الرواية العربية في فلسطين على يد خليل بيدس الذي أولى الرواية اهتماماً خاصة، حيث عمل على ترجمة العديد من الروايات الروسية إلى اللغة العربية في مجلة النفائس الذي أسسها عام 1908 وترأس تحريرها، ومن أهم الروايات التي ترجمها: ابنة القبطان لبوشيكن، والحسناء المتنكرة للكاتب الإيطالي إميل سلفاري، والعديد من الروايات المشهورة في الأدب العالمي، إلى جانب تأليف رواية “الوارث” يعتبرها مؤرخو الأدب الرواية الأولى في الأدب العربي في فلسطين، والاسم الثاني الذي قدم إسهامات فعلية في الرواية العربية هو أحمد شاكر الكرمي الذي أسس مجلة الميزان، ونشر فيها العديد من النصوص المترجمة، وكان أهمها: رواية “مي” المعربة عن تشوسر وهي رواية اجتماعية. وساهم جميل البحيري في التأسيس للرواية الفلسطينية في مجلته (الزهرة) رغم أن جهوده ذهبت هباء منثوراً إلا أننا لا نستطيع إنكار دوره الريادي في الرواية، وقد اهتم بترجمة الروايات التمثيلية مثل: سجين القصر، ووفاء العرب.

وقد ساهمت المرحلة الأولى للرواية العربية في فلسطين -وهي مرحلة تقوم على الترجمة والتعريب- بالتأسيس لمرحلة متقدمة نوعاً ما، حيث ظهرت مجموعة من الروايات لأدباء فلسطينيين ومنها: مذكرات دجاجة لإسحاق الحسيني، في السرير لمحمد العدناني، مرقص العميان لعارف العارف، في الصميم لاسكندر الخوري. وكل هذه الروايات كُتبت في أربعينيات القرن الماضي. ولعل قلة الانتاج الروائي في تلك الفترة يرجع إلى عدة أسباب، حسب الباحث أحمد أبو مطر، وتتلخص تلك الأسباب فيما يأتي:

  • ارتبطت الترجمة من الروسية بالحراك التبشيري لروسيا القيصرية، إلى أن انتهى عام 1917م مع الثورة الشيوعية بقيادة لينين.
  • اهتمام بعض الكتاب بالروايات التمثيلية والبوليسية مثل جميل البحيري.
  • الوفاة المبكرة لرواد فن الرواية في فلسطين مثل جميل البحيري، وأحمد شاكر الكرمي، تُوفيا في عشرينيات القرن الماضي.
  • الأزمات والأحداث الكبيرة التي مرت بها فلسطين آنذاك، والتي كانت تمهيداً للنكبة.

ونستطيع القول حتماً إن النكبة الفلسطينية والمعاناة أثرت بشكل واضح على الإبداع الروائي في فلسطين بل والأدب العربي عموماً، فكانت النكبة مادة ثرية للإبداع، وبدأ الروائيون الفلسطينيون التعبير عن مأساتهم الشخصية والجمعية في الفن الروائي، وحملت الرواية الفلسطينية الهم والغربة واللجوء وعبر عن هذه المرحلة بكل تفاصيلها، ومن هنا رأى العديد من نقاد الأدب أن الرواية الفلسطينية وصلت إلى قمة نضوجها مع الروائي الفلسطيني غسان كنفاني، ومن أهم رواياته: رجال في الشمس، عائد إلى حيفا، أم سعد، ما تبقى لكم. ولعل هذه البداية الحقيقية لتوجه الأدباء الفلسطينيون نحو فن الرواية للتعبير عن المأساة الفلسطينية الجمعية. ومن أهم الروائيين الفلسطينيين إميل حبيبي وأصدر روايته الأولى عام 1968م، وقد قد غسان كنفاني إميل حبيبي إلى القارئ العربي، ومن أهم أعمال حبيبي في الرواية: رواية لكع بن لكع، التي استخدم فيها كثيراً من عناصر المسرحية، حتى عدها بعض النقاد مسرحية. وأشهر روايات إميل حبيبي على الاطلاق هي رواية “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” وهي عمل روائي من الطراز الرفيع ينم عن رغبة في التجديد والتجريب في فن الرواية، ولأهمية هذه الرواية؛ اعتبرت من أفضل مائة رواية عربية، وترجمت إلى خمس عشرة لغة، وجاءت هذه الرواية مقسم إلى ثلاثة فصول أو كما عنونها الكاتب كتب”: الكتاب الأول “يعاد” يحوي عشرين مشهداً، الثاني “باقية” يحوي ثلاثة عشر مشهداً، الثالث” يعاد الثانية” يحوي اثنى عشر مشهداً، ويُفسر سبب تسمية عائلة المتشائل، هذه التسمية التي تحمل دلالة الحيرة والخوف من المصير المجهول. وهي كلمة منحوتة من كلمتي المتفائل والمتشائم. ويتزوج سعيد المتشائل فتاة اسمها باقية وينجبان ولدًا يسميانه فتحي ويتراجع سعيد عن هذا الاسم ويسميه ” ولاء”. وحين يكبر ولاء يشكل مجموعة مسلحة سرية مع رفاقه ويتخذون قبوًا على شاطئ بحر الطنطورية مقرًا سريًا لهم إلا أن القوات الشرطية تلقي القبض على جميع رفاقه أما ولاء يحصن نفسه في القبو فتطلب القوات من والديه اقناعه بتسليم نفسه وحين لا يستجيب تذهب أمه إليه ويغوصان في الماء بحثًا عن صندوق فيه سلاح كان والد باقية خبأه، ولكن يختفي الشاب وأمه وتتوه بهما السبل، ويدخُل سعيد السجن بسبب رفعه الراية البيضاء على منزله في مدينة حيفا وفعل هذا يعني أن حيفا محتلة بينما يعتبرها ساسة الدولة الجديدة جزءًا من الدولة. وفي سجنه يتعرف إلى شاب اسمه سعيد مثله وهو فدائي من لبنان، وحين يخرج من السجن يلتقي يعاد الثانية وتُخبره أنها بنت يعاد الأولى وأن الفدائي سعيد أخوها. ثم يقرر المتشائل الاختفاء.

ومن أهم الروائيين الفلسطينيين جبرا إبراهم جبرا، ولعل أعماله الروائية نخبويةً بشكل أكبر من غسان وإميل حبيبي، ومن أعماله: صراخ في ليل طويل، صيادون في شارع ضيق، السفينة، البحث عن وليد مسعود، وأعمال جبر إبراهيم تنم عن شخصية مثقف كبير ينهل من ثقافات عالمية واسعة ولا يقتصر على لثقافة العربية.

 وهناك العديد من الموضوعات التي تطرحها الرواية الفلسطينية نذكر بعضاً منها:

– تصوير الحياة الاجتماعية مثل: صراخ في ليل طويل لجبر إبراهيم، فتنة كارنيليان لأنور الخطيب.

– معاناة اللجوء مثل: عناصر هدامة ليوسف الخطيب، شوق مزمن لأنور الخطيب.

– صورة المرأة مثل: ربيع حار لسحر خليفة، سماء أولى.. جهة سابعة.

– الحياة السياسية مثل: حبات البرتقال لناصر النشاشيبي، رقصة الفيلسوف لأنور الخطيب.

-مواضيع واقعية مثل: رجال في الشمس لغسان كنفاني.

– حياة المخيم مثل: أم سعد. ولعل حياة المخيم من أهم الموضوعات التي عالجتها الرواية الفلسطينية سواء كتاب غزة مثل عبد الله تايه، أو الضفة الغربية، أو في الشتات مثل حسن حميد.

نموذج على الرواية الفلسطينية: رواية ما تبقى لكم للروائي غسان كنفاني

ولد الروائي الفلسطيني الكبير في يافا عام 1936م، وبعد النكبة هاجر مع أسرته إلى لبنان ومنها إلى سوريا، والتحق بمدارس الوكالة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، ودرس اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق، والتحق عام 1955م بحركة القوميين العرب، وقد عمل في الكويت مدة خمس سنوات، وعمل في هيئة تحرير مجلة الحرية التابعة للقومين العرب آنذاك، شارك مع المناضل جورج حبش في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأسس مجلة الهدف التابعة للجبهة وترأس تحريرها، وفي عام 1972م اغتاله الموساد من خلال تفجير سيارته.

تعد رواية ما تبقى لكم من أهم روايات غسان كنفاني التي عالجت مرارة اللجوء، تدور أحداث الرواية في أحد مخيمات قطاع غزة، في نهايات عام 1956م إلى أوائل عام 1957م، وبالتحديد في تلك الفترة التي احتل فيها الكيان الصهيوني قطاع غزة خلال العدوان الثلاثي على مصر، وتدور الأحداث حول عدة شخصيات وهي: المدرس في مدارس وكالة الغوث (حامد)، وأخته (مريم) التي تبقى دون زواج، والعميل (زكريا) المتزوج ولديه خمسة أبناء، تبدأ الأحداث مع سقوط مريم ضحية في شباك زكريا فيزني بها وتحمل منه، ويقع حامد تحت الأمر الواقع فيزوج أخته من العميل ليستر عليها، ويصاب حامد باليأس فيقرر الذهاب إلى الأردن متسللاً عبر صحراء النقب، وإن الصحراء في الرواية عنصراً أساسياً، وليست مجرد مكان، حيث يلتقي حامد في الصحراء بعدوه الحقيقي إذ يلتقي بجندي إسرائيلي، يخلصه سلاحه ويتحفظ عليه، وهنا يبدأ الصراع الداخلي للأشخاص، حامد في الصحراء مع الجندي الإسرائيلي يُفكر في ماذا يفعل، وأخته مريم في غزة تفعل فيما تفعل خاصة بعد رحيل أخوها بسببها.

حامد يفكر في أمرين: عاره الخاص في قصة أخته، التي زوجها للعميل بعد استشهاد خطيبها فتحي، وعار(مصيبة) عام وهو تشرده من يافا إلى غزة على إثر النكبة، ويزداد الصراع الداخلي عند مريم مع سفر أخيها. ويريد الأديب إيصال رسالة مفاداها أن الخلاص من المصائب لا يكون إلا بالمواجهة والخطوة الجريئة، ويظهر ذلك حين يقرر حامد طعن الجندي الاسرائيلي في الصحراء، وتقرر مريم طعن زكريا في غزة، في المجمل تتضمن الرواية فكرة أنه لولا الاحتلال الاسرائيلي لما كانت المصائب، لولا الاحتلال لما استشهد فتحي ولما تهجر الفلسطيني ولا كان ثمة عملاء مثل زكريا، تقع في شَركهم، فحين رحل زكريا لم يكون حلاً واستسلام مريم لم يكن حلاً، فقط المواجهة كانت الحل وهي الحل الأوحد مع العدو الأكبر الاحتلال الاسرائيلي.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى