مقالات

الشاعر سميح محسن يكتب للشاعر جواد العقاد: نعم يا جواد، إنكم تصنعون أسطورة

نعم يا جواد، إنكم تصنعون أسطورة

بقلم: سميح محسن/ شاعر من نابلس 

هادئءٌ كَنَسمةٍ ما بعد عصريةٍ يرسلها بحرُ غزة في شهرِ تموز القائظ إلى حيّ الأمل في خانيونس، وهادرٌ كموجِ هذا البحرِ عندما يتعرض الوطنُ إلى امتحانٍ النّصرِ، أو الصبر. لهذا الحيّ، حيّ الأمل، من اسمه كل نصيب، كما للصديق الشاعر والناقد الشاب جواد من اسمه نصيبٌ أيضاً.

من وسط الغبار والدخان، ومن قلبِ بيتِ النّار الذي توقده قذائفُ وصواريخُ الطائراتِ الحربيةِ العدوة بأنواعِها المختلفة لتزرعَ الموتَ في أرواحِنا، والدمارَ في بيوتِنا، يخرجُ جواد العقاد بندائه لنا: “أيها الشعراء.. أَرِّخوا أوجاعَنا، اكتبوا المجد والصمود والشقاء، تمترسوا على جبهة الكلمة، يا رفاقي، العدو من أمامكم والخيانة في الجهات كلها، أما الوطن فهو في القلوب، ستغدو أشعاركم ملحمة طويلة تتوارثها الأجيال، نحن هنا نصنع الأسطورة: صدرٌ عارٍ أمام دبابة، وردة أمام مدفع، أغنية وحيدة في سماء الحرية بين حشد طائرات”.

من هذا النداءِ (الصرخة) قد يهزأُ (بعضُ) سامعيه. قد يقولون: هل ستواجه القصيدةُ “مقلاعَ داوود”؟! وهل ستعيدُ النبضَ في قلبِ طفلةٍ استيقظت على موتها جالسةً على أريكة في عالمٍ غير عالمنا؟! وهل سيُلبي شاعرٌ بنى عالمه الخاص به بعيداً عن وجعنا العام هذا النداء؟! وقبل كلٍّ شيءٍ وبعده، هل يحتاج شاعرٌ إلى نداءٍ كهذا يُحفِّزُه على الكتابةِ عن طفلةٍ تبحثُ عن دميةٍ تحت ركامِ بيتها الذي كانت تنام تحت سقفه بقدر ما من الأمان؟!

في مناسبةٍ لا تُشبه هذه المناسبة كتب شاعر فلسطين الكبير معين بسيسو: “نعم لنْ نموتَ، ولكننا…. سنقتلع الموت من أرضنا”. لقد تحوّلت هذه الكلمات، وإن اختلف الزمان والمكان، إلى زوادة يقتاتُ منها المناضلون خبزهم اليومي الذي يعينهم على الصمود أمامَ بطشِ السجّانِ، وعلى الصبر وتحمّل آلام القبض على الجمر.

نعم يا جواد، قد يسخر (بعضنا) من ندائك، كما سخروا من بطولة الشاعر علي فودة الذي قضى شهيداً وهو يوزّع نسخاً من مجلة “رصيف 81” على الفدائيين الذين كانوا يحرسون شوارع وحارات ومخيمات بيروت إبان حصارها في العام 1982 لصدِّ محاولات العدو للنيل من هذه العاصمة النبيلة. رحل معين بسيسو عن عالمنا إلا أنّ كلماته مغروسة في وجداننا، كما رحل علي فودة إلا أن كلمات قصيدته المغناة “إني اخترتك يا وطني” تُؤتي بمفاعيلها عندما نسمعها بصوت مارسيل خليفة.

“نحن هنا نصنع الأسطورة”.

نعم يا جواد، إنكم تصنعون أسطورة الصمود والصبر والتحدي والقدرة الفائقة على مواجهة قسوة الحياة وظلمها القاسي. إنكم، في تلك البقعة الضيقة من أرض الله، والمنسية، المحاصرة والمخنوقة تصنعون الحياةَ نفسَها، تعملون على اقتلاع الموت من أرضنا، كما قال معين بسيسو، فهل نحن قادرون على ترجمة هذه الأسطورة ببيت من الشعر؟!

وإن كانت القصيدة تفضح عجزها أمام شلالِ الدمِ النازفِ، أنينِ جريحٍ، وصوتِ نداءِ ذبيح، أمام دمار البيوت، دخان الركام الصاعد إلى السماء دون انتباه أحد هنا أو هناك، إلا أنّ من الواجب الأخلاقي والإنساني أن تحاولَ القصيدة كتابة ذاتها لتنجو بنفسها من الموت.

لغزة البهية ألف تحية وسلام وهي تصيغ “وثيقة استقلالنا” على طريقتها الخاصة

ولك أيها الصديق العزيز ألف تحية وسلام

زر الذهاب إلى الأعلى