مجتمع

الموت الرحيم؟ هل تبرر الغاية الوسيلة

الموت الرحيم؟ هل تُبرر الغاية الوسيلة

سهيلة هاني ـ خاص اليمامة الجديدة

العالم كله يتألم ويعاني بطرق ومواقف مختلفة.
لا يجب أن نستصغر أي شعور بألم أو حزن أو معاناة مهما كان  هذا الشعور يظهر  ضئيلاً أو غير مهم ،قد تؤدي المعاناة والمواقف المؤلمة التي نمر بها إلى الاكتئاب، أو محاولات الانتحار، أو ما قد يسبقهما من مقدمات كالعزلة.
ولكن هل تجعلنا نتجه “للموت الرحيم” أو “القتل الرحيم”!؟
ماهو هذا “الموت الرحيم” ؟
ما هو أصله ؟
وهل يمكن للإنسان أن يختار عن وعي ودراية أن يقتل نفسه؟!
بل ويستعين بأشخاص موثوقين ليساعدوه في هذا ؟
هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
أصل كلمة “الموت الرحيم”
الموت الرحيم: كلمة يونانية تعني “الموت الجيد أو الحسن”
من εὐθανασία اليونانية تعني “الموت الجيد”: εὖ، تعني الجيد (حسن أو جيد) وθάνατος…وهو مصطلح يُشير إلي ممارسة إنهاء الحياة على نحو يُخفف من الألم والمعاناة، وذلك وفقا لمجلس اللوردات البريطاني “اللجنة الخاصة بآداب مهنة الطب”، فإن التعريف الدقيق للقتل الرحيم هو “إجراء تدخل متعمد مع الإعلان عن النية في إنهاء حياة، للتخفيف من معاناة مستعصية علي الحل”.
تصنيفات “الموت الرحيم “أو “القتل الرحيم”(من حيث الإجراء):
تنقسم تصنيفات القتل الرحيم إلي:
أولا:-
القتل الرحيم السلبي: يكون على سبيل المثال من خلال وصف الطبيب جرعاتٍ مُتزايدة من أدوية المسكنات القوية مثل الأفيونيات، والتي تكون في بعض الأحيان سامّةً للمريض، واختلف البعض ما إن كان هذا قتل رحيم أم لا، حيث يدعي الكثيرون بأنّه لا يُسمّى القتل الرحيم السلبي، وذلك لأنّها لا توجد للطبيب نيّة بإنهاء حياة المريض.
القتل الرحيم النشط: هوالإجراء الذي يؤدّي إلى إنهاء حياة المريض؛ فقد ينهي المريض حياته بنفسه أو قد يقوم بالمهمّة شخص آخر.
ثانيا: ينقسم القتل الرحيم إلي قتل رحيم طوعي، وغير طوعي (قسري):
1-الطوعي:
هو القتل الرحيم الذي يجرى بموافقة المريض،وهذا النوع من القتل قانوني في بلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا وسويسرا،وفي بعض الولايات في الولايات الأمريكية المتحدة مثل أوريغون وواشنطن، عندما يتسبب المريض في الوفاة بمساعدة طبيب، غالبا ما يستخدم مصطلح المساعدة على الانتحار بدلا من ذلك.
2-غير الطوعي:
عندما تكون موافقة المريض غير متوفرة يسمى القتل الرحيم غير الطوعي، من الأمثلة على ذلك القتل الرحيم للأطفال، وهو غير قانوني في جميع أنحاء العالم ما عدا في ظل ظروف محددة ومعينة في هولندا بموجب بروتوكول جرونينج.
3-القسري:
عندما يجرى القتل الرحيم ضد إرادة المريض يسمى القتل الرحيم القسري.
الدول التي تسمح بقيام القتل الرحيم:
رغم حظر الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الانسان للموت الرحيم، ورفض البوندستاغ الإقرار به في ألمانيا، إلا أن هناك بعض الدول حول العالم تسمح به-حوالي 14 دولة-:
وتعتبر سويسرا من أشهر الدول التي تقوم به علي مستوي العالم وذلك عبر طريقتين؛ الأولى بإعطاء المريض- الذي لا أمل من شفائه- حقنة تقضي عليه أو التوقف عن تقديم العلاج الذي يتناوله، مما يعجل بوفاته.
وتعمل بلجيكا واللوكسمبورغ وهولندا وسويسرا بالطريقة الأولى، أما الولايات المتحدة فتحظر ذلك على المستوى الفيدرالي في حين يسمح به في بعض الولايات كواشنطن وأوريغون وفيرمونت، في حين تعمل الدانمرك وفنلندا وفرنسا والهند وإيرلندا وإيطاليا وكولومبيا والمكسيك بالطريقة الثانية.
وتحظر ألمانيا الاتحادية القتل الرحيم- كما ذكرنا-، غير أن القانون الألماني لا يعاقب من يساعد المريض على الانتحار في حالات المساعدة غير المباشرة في عملية الموت.
ويجري الالتزام أثناء ممارسة القتل الرحيم بقواعد صارمة في الدول التي تسمح به حتى يستغل ذلك، وفي مقدمتها أن تكون معاناة المريض لا تطاق، وليس هناك أي أفق في تحسن وضعه الصحي، كما يتوجب أن يقر هذا الأمر ليس فقط من قبل الطبيب المعالج وإنما أيضا من قبل طبيب آخر مستقل، كما يتوجب إعلام المريض بوضعه الصحي بشكل دقيق ويتوجب على المريض وهو بوعي كامل منه طلب إنهاء حياته وأحيانا عدة مرات.
ويشمل القتل الرحيم في العديد من الدول التي تعمل به ليس فقط المرضى البالغين، وإنما أيضا الأطفال واليافعين كما فعلت بلجيكا مؤخرا.
تري الإنسانية أن للإنسان حق الموت بكرامة –وهذا طبعا صحيح- فالكرامة هي التي تفرق وتميز الإنسان عن سائر المخلوقات، ولكن هل هذا يعني أن يقتل المرء نفسه تحت مسمي “الموت الرحيم”؟
ما الذي يفرقه إذن عن الإنتحار أو ارتكاب جريمة قتل!؟
ولهذا فيجب علينا أن نعود للأديان السماوية ونري ماذا تقول الكتب المقدسة في هذا الأمر:
رأي” دار الإفتاء المصرية” في الموت الرحيم:
علي لسان الدكتور علي جمعة:
الله جل جلاله هو أرحم الراحمين بعباده، بل هو أرحم بالإنسان من أمه وأبيه والناس أجمعين،قال في قرآنه:﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163]وقال في قرآنه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]والآيات في القرآن الكريم كثيرة متعددة حول هذا المعنى، وأحاديث البشير النذير صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَرَت هذا المعنى واضحًا جليًّا.
وهذا البدن الذي أعطاه الله تعالى للإنسان ليس ملكًا له يتصرف فيه كيفما يشاء، ولكنه أمانة يُسأل عنها أمام الخالق جلَّ في عُلاه يوم القيامة،قال عزَّ مِن قائلٍ في قرآنه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].
والمريض الذي يطلب من الطبيب إنهاء حياته بطريقةٍ أو بأخرى فإنه يعد منتحرًا والعياذ بالله عز وجل،فقد أخرج الشيخان في “صحيحيهما” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ.
قَالَ رَبُّكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّة» رواه البخاري ومسلمٌ واللفظ له، وغير ذلك من الأحاديث. وأما إنهاء الطبيب حياة المريض لمصلحةٍ يراها مِن تلقاء نفسه، فإنه والعياذ بالله تعالى قتلٌ للنفس بغير حقٍّ؛ قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]، وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ» رواه البخاري.
ختام الكلام من الديانات السماوية الثلاث:
تبعا لوكالة الانباء الفرنسية:
وقع ممثلو الديانات السماوية الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، على وثيقة سلموها إلى قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، أكدوا فيها معارضتهم لمبدأ الموت الرحيم “المرفوض أخلاقيا”.
تمت صياغة النص في الفاتيكان من قبل ممثل عن كل ديانة، بينهم رئيس اللجنة المركزية للجمعية المحمدية الإندونيسية سمسول أنورن والمونسينيو فينشينزو باليا رئيس الأكاديمية البابوية حول الحياة، وممثل عن مطرانية كييف (أرثوذكس) والحاخام ديفيد روزن المسؤول عن الشؤون الدينية في اللجنة اليهودية الأمريكية، وجاء في هذه الوثيقة حول الموت الرحيم أن “هذه الممارسات مرفوضة رفضاً تاماً، وأنه يجب أن تحظر دون أي استثناء وأي ضغط”، وذكرت الوثيقة أنه “لا يمكن إرغام أي عامل في المجال الطبي أو إخضاعه لضغوط لمساعدة مريض بشكل مباشر أو غير مباشر على تطبيق الموت الرحيم بشتى أشكاله”، وشددت الوثيقة على ضرورة “احترام هذا الحق عالميا”، على أن “يبقى صالحا حتى عندما تعد هذه الأعمال شرعية على المستوى المحلي أو لبعض الفئات من الأشخاص”، وجاء فيه أيضا أن “الحياة تستحق دعمها حتى الوفاة الطبيعية”، ووعدت الديانات الثلاث بـ”مساندة القوانين والسياسات العامة التي تحمي حق المرضى الذين باتوا على مشارف الموت وكراماتهم تفاديا الوصول إلى الموت الرحيم.
وبهذا نكون قد أوضحنا ما هو “الموت الرحيم” ورأي الأديان والإنسانية في هذا الموضوع الشائك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى