ثقافةمقالات

تحت ظلال الزيزفون: قصة الحب والخلاف بين بيئتين متضادتين

تحت ظلال الزيزفون: قصة الحب والخلاف بين بيئتين متضادتين

دينا عادل المصري- خاص اليمامة الجديدة

تُعدُّ رواية “تحت ظِلال الزيزفون” للأديب الفرنسي ألفونس كار من أشهر الأعمال الأدبية الرومانسية التي أخرجت بين الحضارات. وعلى الرغم من أنَّها تتحدث عن الحب والشقاء، فإنَّها تركز أيضاً على موضوع الخلاف الحاد بين بيئة القرية و بيئة المدينة وتأثير ذلك على الفرد. ومن خلال أسلوب المراسلة، يحاول الكاتب إيصال معاني شفافة وإحساس رهيف للقارئ، بينما يعطي الخيال دوراً أساسياً في تحريك شخصيات الرواية بين أحضان الطبيعة الخارجية. يجد القارئ نفسه يتفاعل بشكل عميق مع الشخصيات، ويشعر بالحب والألم الذي يعانونه. وتحتوي الرواية على رسالة مهمة حول مفهوم السعادة وتأثير البيئة عليها، حيث يعتبر بعض الأشخاص أنَّ السعادة تتأتى من التكيُّف مع الظروف الواقعية، في حين يرون آخرون أنَّ المال هو مفتاح السعادة. يدعو الكاتب القراء إلى تجربة هذه الرواية الرائعة التي لا تقرأ بالعين فقط، بل بالقلب.

تناول الكاتب الفرنسي في روايته مثالين لنوعي الأشخاص في هذه الدنيا، الأول يتمثل في شخصيات استيفن وماجدولين التي تتميز بالنفس الشاعرية والقلب الروحاني والسعي للأمور العظيمة والمعاني الجليلة، وذلك بعيدًا عن الدنيا المادية ورفاهيتها.

أما الشخصيات الثانية والتي يتمثل بها إدوار وسوزان، فتتميز بالطمع والشهوانية والإشادة بالماديات وتجاهل الأمور العظيمة والمعاني الجليلة. ومن خلال الشخصية المحورية لاستيفن، تم إبراز صفة الصبر على ظروف الحياة والمشاق والألم والخذلان، والسعي الدائم لقيام المعاني الجليلة والأمور العظيمة في الحياة.

أما ماجدولين، فتمثلت في الشخصية التي تغيرت بسبب الثراء الزائد والمال والرفاهية، ولكنها تعرضت للذل والظلم والإهمال من قبل من حولها، وهو ما جعلها تدرك قيمة الحب الحقيقي والمشاعر الجميلة. ومن ناحية أخرى، يتمثل الشخص الثالث في شخصية إدوار الذي يتباهى بالدنيا ويتفاخر بالمال والرفاهية، ولكنه يموت بأسوأ الموتي وهو الموت الذي يجهل فيه المعاني الحقيقية للحياة.

وأخيرًا، تتمثل الشخصية الرابعة في صديقة السوء التي تهمل الحب والمشاعر وتركز فقط على الماديات، وتنتهي حياتها بالتدني والانحدار. يمكن استخلاص العديد من الدروس والمعاني من هذه الشخصيات وتطبيقها في الحياة الواقعية.

وإن الرواية تتميز بأسلوب مميز وفريد من نوعه، فلم يتحفنا الأديب الفقيد مصطفى لطفي المنفلوطيّ بمجرد قصة عادية، بل صوّر لنا ببلاغة قلمه وبراعة ترجمته شخصياتها ومشاهدها بما يجعلنا نراها عيانًا. فقد نجح المنفلوطي في إيصال كل معنًى مسطورٍ في الكتاب إلى النفس، حتى أنه أثار الشجن والأسى واللوعة في قلوب قرّائه. ولا يمكن لأي شخص أن ينكر بأن الأديب المنفلوطيّ يمتلك الأثنين، اللغة ولطف الإحساس، فلم يكن يحفظ فقط قواعد اللغة وقوانينها، بل كان أدق شعورًا وألطف حسًا.

وليس هناك عيبًا في الترجمة العربية للرواية، حيث أنها أحسنت الأديب المنفلوطي في إيصال معانيه ببراعة فائقة، وتميزت بترجمة دقيقة وعميقة لكلمات وجمل الرواية.

وفي الختام، فإنه إذا مررتَ يوماً تحت ظلال الزيزفون، فعليك بأن تنظر حولك، فقد تجد ماجدولين جالسة على إحدى المقاعد القريبة، أو ربما سترى طيف “ستيفن” أعظم موسيقيّي ألمانيا. وربما تحاول جاهداً الإصغاء لما حولك، حتى تتمكن من التقاط إحدى مقطوعات “ستيفن” المبهرة، أو تحاول البحث عن بحيرةٍ يقع على أطرافها منزلٌ بطابقين يشعّ من إحدى غرفه اللون الأزرق، تلك الغرفة الّتي حلمت بها ماجدولين.

زر الذهاب إلى الأعلى