ثقافةمقالات رئيس التحرير

تساؤلات حول المفاهيم الثقافية في مجموعة “بين قوسين ونجمة” للكاتبة يسرا الخطيب

تساؤلات حول المفاهيم الثقافية في مجموعة “بين قوسين ونجمة” للكاتبة يسرا الخطيب

بقلم: جواد العقاد/ رئيس التحرير

هذه مداخلة في ندوة عن المجموعة أقامتها مكتبة سمير منصور في مارس 2022م. 

تعد القصة القصيرة جداً من بين الفنون الأدبية الأكثر صعوبة ودقة، حيث تتداخل في بعض الأحيان مع غيرها من الأجناس، مثل: الخاطرة، الشعر الحديث، الومضة. إنها مشهد مكثف ومختصر للغاية، ومع ذلك تفتح أبواباً واسعة للتأمل والتفكير. ويجب الإشارة إلى أن يسرا الخطيب كانت موهوبة جداً في كتابة هذا النوع الأدبي، حيث اتبعت معايير صارمة لإنتاج “قصص قصيرة جداً” مميزة.

أنا شخصياً أفضل النصوص الطويلة، التي تلتحم فها البنية الثقافية مع الجمالية لتؤدي قيماً إنسانية، فالأدب ثورة وإعادة بناء للواقع.. لهذا أيضاً لا تغريني النصوص التي تلعب على وتر النوازعِ الدُنيا لدى المتلقي مع أن بعضها قد يقرأ من زوايا متعددة..

ومع أن “القصة القصيرة جداً” تبدو تأملاً شخصياً في موضوعٍ معين، إلا أن الكاتبة تمكنت من تضمين مفاهيم ثقافية وإنسانية عدة في تجربتها القصصية، يصل بعضها إلى جذور التراث الإنساني. ولاسيما في الباب الأول الذي أطلقت عليه عنوان “أبجديات خرساء”، والذي يتساءل القارئ عن سبب وصف الكاتبة للأبجديات بالخرساء. ومن خلال هذا التكثيف الدلالي، تستطيع القصة القصيرة جداً، بصفة عامة، وقصص يسرا الخطيب، بصفة خاصة، تشكيل قاعدة ثقافية متينة.

فعلى سبيل المثال، تم تداول مفاهيم الحرية والعطاء والمعاناة في الباب الأول، وهذه المفاهيم الإنسانية الشاملة هي التي شكلت أساس الباب الأول والحبل السري الذي يربط بين القصص. وعندما نسأل لماذا وصفت الكاتبة الأبجديات بالخرساء؟، يصبح الجواب واضحاً؛ فهي خرساء لأنه لم يعد لها فاعلية في الواقع المعاصر، فالإنسان العربي فقد الحرية، وباتت المعاناة تسيطر على المشهد.

إن هذه المفاهيم الإنسانية الشاملة والثرية هي التي تمكن الكاتبة من بناء قاعدة ثقافية قوية في القصة القصيرة جداً، وهذا يؤكد على أهمية تضمين المفاهيم الثقافية والإنسانية في الأعمال الأدبية. فعلى الرغم من صغر حجم “القصة القصيرة جداً”، فإنها تحمل في طياتها كثيراً من المعاني والمفاهيم الثرية التي تنطوي على جزءٍ كبيرٍ من التراث الإنساني.

ترتبط عناوين الأبواب بصورة وثيقة بالمتن وعناوين القصص التي تحتويها. على سبيل المثال، عندما تستخدم الكاتبة عنوان “الأبجدية المرتبكة” للباب الثاني، وتشتمل بعض القصص فيه على مفاهيم مثل الوعي والوهم والأصالة، فإن ذلك يمكن أن يخلق بعض الارتباك.

تتميز قصص الكاتبة الخطيب بأنها مشحونة بالدلالات والتوتر. وإذا لم يلاحظ القارئ هذه الدلالات والإشارات الدقيقة، فقد يفقد النص بعض توهجه ويصبح صامتاً. ولذلك، يحتاج القارئ إلى التركيز والانتباه لاستنطاق هذه القصص واستكشاف الدلالات التي تحملها.

قصص الأستاذة الخطيب تؤكد على أن مهمةَ الأدب ليست محاكاة الواقعِ ووصفُ الأحداثِ كما هي، فالأديبُ ليس مصوراً بل يلتقطُ حالةً إنسانيةً معينةً ويرتكزُ عليها مستعيناً بالخيالِ وعناصرِ الجنسِ الأدبيّ الذي يكتبُ في إطاره، ولا ينقلُ الأحداث لأنه لا يؤرخُ بل يرنو إلى التأثير في أعماقِ النفس البشريةِ وفَهم مكنونات الإنسان.

والخيالُ شرطٌ رئيسٌ في الأدبِ كما هو واضحٌ في التعريفِ الشائع له: ” كتاباتٌ مرتبةٌ بوضوحٍ تحت تأثير التخيل “. بدون الخيال لا يكون أدباً والمقصودُ بالخيالِ هنا شخصياتٌ وأحداثٌ من خَلقِ الكاتبِ على الورق.

تتمحور القصص حولَ إثارةِ قضايا مجتمعية وإنسانية أحياناً قضايا يومية وأحياناً أخرى قضايا كبرى، وتسلط الضوء عليها، فهي لا تطمحُ إلى حلِها بقدرِ إثارتها وطرحها، فالأديبُ يلعبُ دورَ الفيلسوفِ في إثارةِ المشكلاتِ الكامنةِ في الزوايا المعتمةِ والمهمشة وجعلِها قضية محل اهتمام.

قصص الكاتبة الخطيب هي درسٌ مهمٌ في الإنسانية، فهي تزرعُ المعنى العميق للإنسان وتُأنسن الأشياء. الذاكرة متعبة وجميلة في آن ومن الجميل أن نحبَ التفاصيل الصغيرة في حياتنا، فالتفاصيلُ وحدها تخلقُ من الإنسانِ كتلةَ إحساس، وتوهبه الشعورَ بالخلود والعظمة. في هذه المجموعة يتجلى معنى الكتابةِ بوضوح، فالكتابةُ بحثٌ عن الذات وتحايل على الذاكرة، الكتابة وطنٌ إنْ ضاقت الأوطان.

وأخيراً يسرا الخطيب حاولت من خلال هذه المجموعة تشكيل وعيّ الإنسان المعاصر وأحلامه وألآمه وطموحه وتثبت مدى أصالته.

زر الذهاب إلى الأعلى