نصوص

تَلاقينا خِلسةً فِي غَسَقِ الدُّجىٰ

تَلاقينا خِلسةً فِي غَسَقِ الدُّجىٰ

بقلم: كاتيا إسكندر/ كاتبة سورية 

تَلاقينا خِلسةً فِي غَسَقِ الدُّجىٰ خَلفَ جُدرانِ الحَنين المُغطّىٰ بِعباراتِ الهَزلِ، والجِنسِ، والهَوى، في أَكنافِ أَحد أَزقةِ مدينتنا، فَوقَ مِصرع الأَرضِ الرّطبة، وتَحتَ تَهاليلِ السَّماءِ المُقدسة، تَلاقينا بَعدما فطمتني عَن لَذّةِ حَليبِ اللقاء، بِأَربعةٍ وَعشرين يَوماً كَالحاً، وها هي عَيوننا تَفكُّ شَرنقةَ الشَّوقِ، بِفَراشاتِ الغِوى، وَتدسُّ رَحِيقَ لهفتنا، بِأَلسنةِ النَّحلِ فَوقَ أَوراقِ الدلبِ، وحَباتِ العِنَبِ الأَحمر،

اقتربتُ مِنها بَعدما أَخدت مَسامات جَسدها السُّكريِّ تقزحُ بِقطراتِ العَرقِ خَجلاً وتَلبكاً، وهمتُ أَتعاطى رَائحةَ جَسدها، وَأثمل بِها، دَاساً رَأسي المتعب فَوقَ تَرهُلاتِ نِهديها، وغائِصاً نَحوَ الغرَقِ بِتلافيفِ خَصرها النَّحيل، عَصرتها بَينَ كَفيَّ، وتمسكتُّ بِها، وكانَ العِناقُ مَنبعَ اللّذات.

أضرمتُ ناري فِي حَنايا جِسمها، ودموعي تُقبلُ وجنتي كَسراً من شدة الهيام، كَلقيطٍ رأَى حِضناً يَحتويه وعَزَ عَليهِ إفلاته والفراق، أخذتُ أُمارسُ طُقوس الحب بألوانها

بَينَ ذراعيها، وأَستلذُّ بِموسيقى خِلخالِ قَدمِها المُثيرة، مُرتشفاً

عَرقها الذي أطفأ لَهيب ظَمأي،

وجعلني أنتشي أَجمَّ انتشاء، فجبتُ أُقبِّلُ النَّحرَ، وأَمزقُ عَباءة العُربان، وأميط اللثام عن هواجس التاريخ، قَارعاً بِآهاتها الطّبول، ونَافخاً بِرجفتها أَبواق الهباء،فمَا لَبثَتْ حَتى هَدأتْ فِي حِضني كَطفلةٍ خَائرة، أَنهكها اللعبُ فِي براثن الرَّمل، فَقالت: أُحبُّكَ، وأَغمضت عَينيها، فِي قَيلولةٍ أَزليّةٍ دائمة..

زر الذهاب إلى الأعلى