مقالات رئيس التحرير

ثلاثية الجمال المقدسة: جواد العقاد

ثلاثية الجمال المقدسة

بقلم: جواد العقاد/ رئيس التحرير

ما الجمال؟ هل يمكن وضع تعريف شامل للجمال، بالتأكيد لا. هو من وجهة نظري الإحساس بجوهر الأشياء والترقي بالذات إلى سماء ثامنة، هو الذي يستفز العواطف المكبوتة ويجعلك ترى نفسك في ذلك الشيء المتسم به. فمثلاً: لو نظرت إلى لوحة دون أن تحرك في نفسك شيئًا، وتحيلك إلى وجع ماض أو فرح، إلخ… فما قيمتها!. مثال آخر: ما قيمة أن تقرأ رواية عن الحب دون أن تُمس بالجنون وتفتن بجمال المعشوقة، فالروائي، والأديب بعامة، لا يكتفي البتة بالقول إن بطلة روايته جميلة بل عليه أن يخلقها بكامل أنوثتها: صدر ممشوق، شعر طويل منساب والمهم ألا يشبهه بالليل الحالك، حور العيون والمهم ألا يشبهها بالمها، ثغرها والمهم ألا يشبهه بالأقحوان، عنقها الطويل الذي بالتأكيد لا يشبه عنق الناقة، خصرها النحيف مثل لحن الأغنيات الحزينة. الروائي العظيم هو الذي إذا ذكر لوحة جعلني أراها، وإذا وصفَ الطريق بالطويل جعلني ألهث.

أما التأمل فيرتبط بالتلقي الجمالي، وهو يجمع الشعور والعقل، فحين يذهلني عمل فني أتساءل عن كيفية الإبداع، مثلًا: لو نظرنا إلى فن النحت في الحضارة الفرعونية تعترينا تساؤلات كثيرة ( كيف، وماذا، ولما، إلخ…) والجمال بالتأكيد لا ينتج عن إتِّباع خطوات عملية وإن كانت قاعدة نسبية، وإنما الابتكار هو الأصل في خلق الجمال، بل يمكن أن ينقلب العمل الفني على الخطوات كلها واضعًا غيرها؛ فيكون قمة في الجمال.
إذن فالتأمل لا يُشبع المتلقي جماليًا فحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى إثارة الفكر، وإشغال العقل بالتساؤلات الفلسفية.

أما الأنوثة: فأعتقد أن العمل الفني الذي لا يُلمس فيه ملامح أنثوية لا يُعول عليه، وفي هذا المضمار يقول الإمام الأكبر ابن عربي” كل مكان لا يؤنث لا يُعول عليه.” ومن تأويلات قول الإمام: المكان الذي لا تُوجد فيه أنثى.
في ضوء فكر الإمام عن المرأة، التي هي محور الوجود وأساسه، نقبل بهذا التأويل. ولا أقصد الأنوثة بالمعنى الحسِّي، لكن الأنوثة بمعناها العميق تجعل الحياة أقل بلادة، والفن أكثر توهجًا، والشعر أكثر حميمية؛ لهذا نجد البشري في الحضارات القديمة، وهو يحاول فهم الحياة والغيب، جعل للأشياء الجميلة ربَّات، فمثلًا: في الحضارة اليونانية: “أفروديت” هي ربَّة الحب والجمال والنشوة، و”أثينا” ربَّة الحكمة، و”هيرا” ربَّة الزواج. وإلى يومنا نجد الشعراء يجعلون الأنثى معادلًا موضوعيًا للوطن. الخلاصة: إنَّ الأنوثة قوام العمل الفني المُشبَّع بالجمال حد الثمالة.

ختامًا: الجمال والأنوثة، والتأمل سواءٌ من المبدع وهو يمتلئ بالجمال الكوني، أو من المتلقي وهو يكتشف معالم الجمال. هذه الثلاثية نتذوق بها العمل الفني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى