ملفات اليمامة

جبر شعث يكتب: نحو ربيع علمي وفكري عربي

نحو ربيع علمي وفكري عربي

بقلم: جبر شعث/ شاعر وكاتب فلسطيني 

إن ما جرى في بعض بلدان الوطن العربي فيما أسمي “ربيعاً عربياً ” والذي اختلفت مجرياته وسياقاته من دولة لأخرى، ما كان ليحدث لو توفرت في تلك الدول المنظومة القيمية الإنسانية.

المتمثلة في قيم الحرية والكرامة والعيش الكريم وثقافة الاختلاف البناء واحترام إنسانية الإنسان وإعلائها ، فتلك المنظومة كفلتها الشرائع السماوية، قبل الشرائع الوضعية، وبصرف النظر عن رأينا فيما جرى وما يجري الآن ، ومدى مصداقيته وبراءته وطنياً، إلا أننا مع التغيير الذي يعيد للإنسان بعضاً من قيمه التي سُلبت منه ، وحُرم منها، وغيبت عنه نظرياً وممارسة.

وإذا ما أردنا السير نحو ربيع علمي/ فكري عربي، ينبغي أولاً أن نزيل المعيقات التي تواجه الدول العربية في تحقيق نهضة علمية/ فكرية، فإننا نعتقد أن الحلم بتحقيق “ربيعٍ علميٍّ/فكريٍّ عربي “وإن كان مشروعاً، مازال بعيداً؛ لأن المعيقات التي تحول دون ذلك، ما تزال قائمة وحاضرة بقوة؛ فكثير من الدول العربية مازال مواطنوها يرزحون تحت مصيبة الأمية الأبجدية، وخاصة في القرى والأرياف والنجوع. فما بالك بالأمية الحضارية في مجالات التكنولوجيا وثورة الاتصالات الحديثة المتسارعة، التي تبدو لبعض المواطنين في بعض الدول العربية، وكأنها خيالات وتهويمات وأفعال من صنع كائنات فضائية ، لاتنتمي لعالمنا الذي نعيش فيه!

و الوضع الاقتصادي المزري، الذي لا يوفر بدوره معيشة كريمة ولو بالحد الوسط، للمواطن العربي ، فكيف نطلب من إنسان لا يجد قوت يومه، ويعيش على الكفاف، أن يتعلم أو يبدع أو يُحدث أي أثر ايجابي في مجتمعه؟ إن الجائع لا يقوى على التعلم، بل إن عقله يكون عاطلاً عن التفكير، فلا فكر ولا تفكير ولا إبداع مع الجوع، فهذه أشياء تتكون وتنشط في مستوى معيشي كريم ومقبول. ومن البدهي أن مناخ الحرية، والتعددية الثقافية والفكرية والسياسية والعقدية، بما يوفر من جو اختلافي مبدع وخلاق، من شروط ، بل من مسلمات المسار العلمي/ الفكري النهضوي، فالنهضةالعلمية/ الفكرية المنشودة، لا يمكن لها أن تتحقق في بيئة قمعية، تصادر الحريات، ولا تسمح بالتعدد والاختلاف البناء، ولا تسمع إلا صوتها ولا ترى إلا لونها، فهكذا أحادية لايمكن، بأية حال، أن تسمح بتحقيق اختراق ما، على صعيد عمليتي التعلم والتعليم، فضلاً عن الخلق والإبداع.

وفيما يختص بالجامعات العربية، فإنها – في معظمها – تعتبر من المعيقات الكبرى للسير قدماً نحو نهضة علمية/ فكرية تجاوزية، كونها مازالت تعتمد على أنظمة تعليمية بائدة، مثل نظام المحاضرات الإملائي، وأسلوب التلقين المقيت الذي يعتمد على حشو المعلومات في أذهان الطلاب، دون التفكير في صحتها أو مصداقيتها أو حتى مدى تلاؤمها مع روح ووتيرة العصر الذي نعيش. وإهمالها جانب البحث العلمي، الذي يحفز الذهن على التفكير والعصف الفكري.

ويجنب طالبي العلم الاتكالية المعلوماتية، والكسل الفكري. وعليه، ينبغي على الجامعة ألا تكون مكاناً لحشو المعلومات، وضخ النظريات – على علِّاتها – ، وحشر الطالب في خانة تحصيل العلامات تراكمها، بل مكاناً للبحث العلمي الخلاق الذي به تتحقق النهضة العلمية والفكرية، وما نجح الغرب في بناء حضارته الهائلة المبهرة، إلا عندما جعل من جامعاته خلايا نشطة للبحث والتجريب ولتقادح الأفكار وتلاقحها.

وبعد، فهذه نظرة غير تشاؤمية، وإنما تشخيصية، والتشخيص الدقيق- كما هو معروف- يمهد وييسر الطريق أمام العلاج الصحيح. لكل ذلك نعتبر أنه من المبكر الحلم بربيع علمي/فكري نهضوي عربي يتبع “الربيع الثوري” في السنوات القليلة المقبلة، طالما – ما ذكرنا – من صعوبات ومعيقات، ظلت منصوبة كخيمة سميكة قاتمة فوق رؤوسنا، أما إذا استطعنا أن نقتلع هذه الخيمة، فبإمكاننا أن ننعم بربيع علمي وفكري منذ اللحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى