مجتمع

حاجة الإنسان إلى الحُضن المعنوي الذي لم يجدهُ في الإنسان الآخر

حاجة الإنسان إلى الحُضن المعنوي الذي لم يجدهُ في الإنسان الآخر

بقلم: يسلم ولد محمدو عبدي/ موريتانيا

إن حاجة الإنسان إلى الإرتباط ليست بيولوجية فحسب وإنما أبعد من ذلك، إذ تذهب تلك الحاجة لتشمل الطبيعة والحيوان لتتَشكل منها ثنائيات جميلة أو يعتبرها الانسان بذلك الجمال الذي يستطيع أن يشعر به بالرضى والقبول من غير البشر.
إن الحاجة البيولوجية من أجل التكاثر الذي وُجدَ لها الانسان، وهي تعمير الأرض وذلك عن طريق التناسل تقوي الروابط الاجتماعية وتعطي لحياة الإنسان معنا في الوجود أكثر أريحية وتجعل الفرد يشعر بنوع من الأهمية في بيئته ووسطه الاجتماعي وأنه مصدر للسعادة للغير ( أسرته) إن لم يكن لنفسه، فهذه الحاجة ليست تناسلية بقدر ما هي عملية إنسانية بمعنى أن الفرد لابد له من ثنائية يعيش داخل نطاقها سواء أكانت تلك الثنائية متمثلة بأسرته.. أو حيوانا أو جماد ( الطبيعة).

1- الحيوان: إن عدم وجود شخص ثاني للإنسان في مرحلة ما من حياته هي المفسرة لإتجاه الفرد إلى شراء بعض الحيوانات كالكلاب أو القطط أو الأرانب ،وذلك لغِياب النموذج، لتتكون بذلك صورة من عدم الرضى إتجاه الإنسان، فنميل إلى أشياء أخرى لم نعتد عليها كصحبة الكلاب بالمعنى الإنساني أي أننا نسرُدُ عليها نقاطَ ضعفنا وكل الأمور التي نخافها أو حتى التي نحبها، فذلك الفراغ التي يبدأ يتشكل فينا غطّاهُ كلب بوفائه، أو فعلته قطة لبراءتها، أي أننا هربنا من واقع عام إلى واقع خاص نتميز به بالثنائيات اللامتوافق عليها اجتماعيا لنخلقَ لأنفسنا جوًا نستطيع أن نشعر فيه بالقبول، مع أن محبة الانسان للثنائيات فطرية.
لذلك لايوجد كرسي في المعطم لشخص واحد عادةً لأن الحياة تشاركية، حتى أن الإنسان في بعضِ الأحيان يُحب عيّنات من الأحجار.

2- الطبيعة: إن وجود الإنسان في مجال الطبيعة بين الأشجار أو حتى الزهور كزهر الياسمين مثلاً، فهذه الحالة تعكس رغبتنا في أن نزور الحدائق الجميلة الملونةَ بالورود والنظر إلى الأشجار، حتى أنه هنالك من يُدمن رؤية الحدائق لذلك يُحاول بكل جُهدٍ أن يزورها في كل وقت فراغه وهنا نتحدث عن الأشخاص الذين لايملكون أشخاصاً بجانبهم لأن العامل هنا نفسي وله أسباب متعددة منها عدم القبول الإجتماعي الشعور بالوحدة بالرغم من البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد.
فهذه الحالة التي يصاب بها الإنسان التي يلجأ فيها إلى صحبةٍ من غير جِنسه هي نتاج نفسي حين يشعر بالنقص سواء كان ذلك النقص متمثلاً في خيبة الأمل نتيجة خيانة خانها الإنسان فإن تلك الرغبة المكبوتة يغذيها بشراء كلب لأنه يشعر مع الكلب بالكثير من الثقة والمحبة والشعور بالرضى ويعتبره معياراً للصدق أكثر من الإنسان وهذا ما يفسر الإقبال على شراء الحيوانات باعتبارها الصديق الجديد للإنسان.

ويعتبر الجانب الطبيعي فهو نتاج لحاجة نفسية نتيجة لقلة الارتياح وتراكم الأمور فبدل اللجوء إلى شخص معين أسردُ عليه همومي أذهب الى الطبيعة لأشم بعض الهواء النقي ولأعبر من ما يدور في خلجاتِ تفكيري ولو لتلك النبتة باعتبار أنها المخلصَ لي من ذلك الألم النفسي أو تلك التراكمات التي ازيلها وسط حدائق من أزهار الياسمين.
بمعنى آخر إن الانسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده ولو اقتضى ذلك مشاركته الحياة مع الجماد.

حتى ميتافيزقياً وليس مادياً، الإنسان في حياته العقائدية إن لم يجد إلهاً يعبدهُ إخترع إلهاً بنفسه لكي يعبدهُ، أي أن الانسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده على أي صعيد. لذلك عندما نشعرُ بالذنب نتوب إلى الله بإعتبار أن هنالك قدرة إلهية نؤمن بها ولكن لانراها، وعندما نشعر بالحب نحتاج إلى شخص آخر نشاركه ذلك الحب.

وحتى رمزياً الإنسان في وحدته يلجأ إلى الموسيقى لأن بعض الأغاني يُشعِرونه بالإنتماء أكثر من الانسان ونوع من الحُضنْ المعنوي الذي لم يجدهُ في الإنسان الآخر، وعندما نشعر كذلك بقلة الثقة نلجأ إلى شراء الكلاب، أي أننا لانذهب إلى فراغ مطلقاً.

لأنه مغروس في اللاوعي فينا تلك الفكرة، فكرة الحياة التشاركية التي تُعطي لحياتنا معنى جميلاً يُشعرنا بأهمية تلك الحياة وتمسكنا بها، وأن هنالك أشخاصًا يُحبوننا ويُلامسون بحُبّهم عواطفنا، ويميلونَ حُزنًا لو أبتعدنا عنهم وكذلك العكس، لو هم أبتعدوا عنّا. هذا لأن الإشكالية هنا تتمحور حول ذلك الفراغ الحاصل في الإنسان الذي لا يستطيع أن يملأه بوحدته يحتاج إلى آخر ليكملهُ، لأن الوحدة أحيانا تكون قاتلةً لذات الفرد وشخصيته.

في عالمنا اليوم نرى أشخاصاً يهاجرون عكس الهجرة المعروفة اجتماعياً والتي تعني الهجرة من مناطق الريف إلى المدن طلباً للعيش الكريم وبحثاً عن حياة اقتصادية أفضل نتيجة لتلك الظروف المعيشية الصعبة التي تفتكُ بالإنسان الريفي،
لكن الإشكالية هنا هي أن هذه الهجرة من البشر إلى الحيوان والطبيعة، لقد خلقَتْ جواً من الحب والاطمئنان والراحة النفسية، وملئ ذلك الشعور بالفراغ الذي يشعر به الفرد اتجاه المجتمع.
تلك الرغبة التي أدت إلى هجرة الإنسان لتحسين الأوضاع المعيشية غير هذه الهجرة لأن الإنسان هنا أصبح ميوله ليس للإنسان لا، وإنما صار إلى الطبيعة والحيوان باعتبار أن الطبيعة هي المخلص له من وحدته التي تصيبه لما يكونُ مع المجتمع. كأن الرغبة الاجتماعية ماتت في ذلك الإنسان بحيث أصبح يعيش نوع الرهاب الاجتماعي أدى به إلى الوحدة خارج النطاق الاجتماعي ( الغابة). هذا وإن الغابة يمارسُ فيها الفرد مُطلقَ الحرية والسيطرة، الحرية في تصرفاته بعيدا عن الضوابط الاجتماعية والسيطرة على نفسه داخلياً بدل السيطرة من طرف الآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى