نصوص

رغد ماهر الكُرد تكتب لملف “في الحرب وعنها”، حبر الروح من دم الحرب 

رغد ماهر الكُرد تكتب لملف “في الحرب وعنها”، حبر الروح من دم الحرب

بقلم: رغد ماهر الكرد/ غزة 

طيفُ طفولتنا سيبقى شبحاً يلاحق هذا الاحتلال الأَخوب، الذي يكتسِحُ أرواحَ الأطفالِ بكل دم بارد دون رَفّة هدب، وكم نتمنى العودة للوراء لردع كبرياء الألم وإنقاذ أطفالنا وأحبابنا قبل استئصالهم من اللامكان، أو التنبؤ باستشهادهم؛ لبتر جناح الموت، والانصياع لمحاولة أخيرة في حفظ أرواحهم، والتوسّل اللامتناهي للربّ بأن يكتب لهم عمراً آخر؛ لكن للأسف، هذا ابتلائنا، وهذا واقعنا وتجربتنا، لا نستطيع إحلال شيء من الماضي ولا صدوع الحاضر، ما ذنب الأطفال الذين يُدمَى دمهم بلا سبب، الأطفال الذين لا يعرفون في السياسة شيئاً، وأسمى أحلامهم دُمية!

هم يعرفون أنّهم غزّيون وأبناء هذا الشعب الصابر الذي تمخضت روحه بالدم ولكن لا يعرفون بأن الحرب ستخطفهم يوماً بسبب سياسيات لا تغنى ولا تسمن من بؤس.

نحن هُنا في هذه البقعة الزمكانية منذ أن استيقظنا وصوت الدبابات والزنانات يخترق آذاننا، والدخان الأسود يغطي كل شيء من حولنا، ونرى العيون الحمراء الباكية التي أحمرت من كثرة البكاء والألم التي ذاقته، والأعين البريئة التي رأت سياسيات وحروب وأنبياء كذب وشهود زور، وليتها لم ترى ما رأته، رأت أشياء مفجعة، أبيها الشهيد ملطّخ بالدماء فبكت من هول المنظر، وأخيها العصفور الشهيد الذي كانت تحبه ولا تعرف أنّه سيفارقها يوماً عصفوراً ففارقها، وأمها شهيدة أخرى جناحها مبتور وملطخةٌ بأغمق ألوان الدماء، ثم إنها كانت تتبادل الضحكات مع أهلها قبل أن تنام، ولكنهم ناموا للأبد، واستيقظت هي على صوت رصاصة وحيدةً لن تراهم تارةً أُخرى.

كيف سيكون الأطفال بأمان بعد ذلك؟، وكيف سيبيتُون دون والديهم؟، أتأملون أن يعيشوا في عزٍ بعد فراق أهليهم؟ أتأملون؟! أتأملون أنّهم سينسوا ما حدث لأهلهم؟! هذا المنظر الدامي لن ينسوه بحياتهم، وستبقى هذه الأحداث ذكرى سحيقة لصيقة، وصورة حيّة في صدوع الذاكرة المتشققة، أحقاً ما زلتم تأملون؟! لا تأملوا منهم سوى دم القصيدة، ثم كيف سنخبر البحر أننا على اليابسة نغرق؟

نحن في غزّة لا نستيقظ على أصوات العصافير، أعتدنا الاستيقاظ على أصوات زنانات، وفي صباح التاسع من مايو للعام الثالث والعشرين بعد الألفين للميلاد، استيقظنا على بكاء أطفال فقدوا أهلهم شهداء، أحياء بلا دموع، استيقظنا على بكاء شاب فقد خطيبته، وأم فقدت أبنائها شهداء، الدموع لا تفارق وجوههم، ومازالت غزة تقاوم.

لكن متى؟ هذا السؤال الذي يحيرُنا، متى سيُقتلع هذا الحزن من القلوب ونرى البسمة تعلو الشفاه؟، متى سيستجيب القلم لأماني القلب فيرسم شمساً مشرقة وطفلاً بصحبة عائلته يلعبون؟ ويرسم أطفالاً مع أصدقائهم يتسابقون لرفع علم لُفّ به شهداءُ الوطن، فلسطين! ويهتفون تحيا فلسطين حُرّة، متى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى