ثقافة

رواية اتبعك إلى العتمة.. فائقة قنفالي: رائد الحواري

رواية اتبعك إلى العتمة
فائقة قنفالي

بقلم: رائد محمد الحواري/ ناقد فلسطيني

ما يميز هذه الرواية الشكل الذي قدمت به، فهي رواية عصرية، عدد صفحاتها ما يقارب مائة صفحة فقط، تم توزيع الأحداث فيها على مجموعة عدة شخصيات، حتى الكلب الذي عض بطلة الرواية “شمس” أخذ دوره في السرد، وحدثنا كيف استثاره “شكلها الدائري ككتلة لحم تتدحرج يوما أملمي، وكنت جائعا” ص23، ولم يقتصر السرد على الأشخاص الراشدين فحسب، بل طال شمس وهي ما زالت جنين في بطن أمها، فالفانتازيا ساهمت في تخفيف من حدة القسوة الكامنة في الرواية، كما أن تعدد الرواة في الرواية ساهم في إحداث المتعة للمتلقي.
من هنا نقول أن شكل وطريقة تقديم الرواية كانت موفقة وناجحة، وإذا علمنا أن موضوعها متعلق بالمجتمع الذكوري وكيف تُعامل الأنثى فيه، نكون أمام رواية جمعت بين جمالية الشكل وأهمية المضمون.
المجتمع الذكوري
الرواية تركز على المجتمع الذكوري، تحدثنا أم “شمس” عن رغبتها بإنجاب ولدا بقولها: “يجب أن أنجب ولدا، كي أنجو بقدري، ولدا لن يترك مجالا لأبناء زوجي/ كب يضايقوني، وهو وحده قاد على ذلك، سأصبح السيدة في بيتي… الذكور قساة، وغير قابلين للكسر مثل البنات…أنا التي كرهت دوما أن تكون أنثى… عاودت الزواج وأصبحت زوجة ثانية برتبة خادمة، لرجل يكبرني بثلاثين سنة” ص9، حال المرأة مزري وصعب في المجتمع الذكوري، لهذا ترغب في إنجاب ولد، لأنه سينعكس عليها إيجابا كما سينعكس على المولود أيضا، وهو “الوحيد” الذي سيغير حياتها إلى الأفضل، فهذا المقطع يختزل طبيعة المجتمع بالنسبة للمرأة، ويبين حالة السادية التي تمارس عليها من قبل أسيادها الذكور.
ونجد قول آخر لطبيعة معاملة الأنثى في الرواية جاء فيه: ” هل يمكن أن يؤذي أخي عروسه مثلما كان يؤذيني؟ هل سيربطها إلى السير، ويقذفها بالشتائم أم سيضربها بالحزام الجلدي؟” ص57، بهذا القول نتأكد أن الأنثى في مجتمع الذكور ما هي إلا شيء زائد عن الحاجة، لهذا تعامل كمعاملة الدواب، فالضرب والشتم يمارس دون أي شعور بالذنب أو الإحساس بأن هناك شيء خاطئ، كما كان من السهل التخلص منها، ففي ليلة الدخلة كانت المرأة معرضة للقتل: “…علمت في ما بعد أن البندقية كانت محشوة سلفا برصاصة واحدة، إما أن تطلق في الهواء، إن كانت البنت عذراء أو أن تصوب نحو البنت إن كانت فاقدة لبكارتها” ص58، رغم هذه القسوة والوحشية التي تعامل بها المرأة عند حدوث أي خطأ أو شعور الذكر بأنها ليست طيعة/مطيعة له، إلا انه متساهل ومتسامح مع الذكر، فحتى عندما يكون عاجزا عن القيام بدوره كذكر تكون الضحية هي المرأة والذكر لا يمسه شيء: “…كم هو مؤلم أن يشعر رجل أنه عاجز عن ممارسة الحب مع امرأة، لكن، لا أحد يعرف ما تشعر به امرأة . لا يمكنها أن تكون أنثى” ص90، من هنا نستطيع القول أن الرواية قدمت صورة وافية عما تعانيه المرأة في مجتمعها الذكوري، وأعطتنا صورعن قسوة هؤلاء الذكور وما يمارسونه من وحشية.
الفانتازيا
اللافت في الفانتازيا أنها تأتي كعامل تخفيف على المتلقي، وبما أن الرواية تتحدث عن وحشية الذكور تجاه الأنثى، فكان لا بد من وجود الفانتازيا لتزيل/تمحو شيء من تلك القسوة، فعندما حدثتا “شمس” عن حالها وهي في رحم أمها في بداية الرواية، كانت تمهد إلى ما سيكون عليه أحوال النساء في الرواية، وعندما حدثنا الكلب ـ وهو ذكر، كحال المجتمع ـ عن مهاجمته لشمس، أيضا أرادت به الساردة تخفيف المشهد على القارئ، ولم تقتصر الفانتازيا على هاذين المشهدين، فهناك مشاهد أخرى منها، حديث “القابلة” عن زيارة حفيدتها لها وهي ميته: “كانت عندما تأتي إلى المدرسة المطلة على المقبرة تقف عند قبري، وتقرأ لي الفاتحة بصوت حزين وعذب، في الربيع تحمل لي أزهار كثيرة، تضعها على قبري مثلما تفعل أي بنت تحب جدتها الميتة. وتشتاق لها، أحيانا كانت تبكي فوق قبري وكانت دموعها الحارة تمر من شقوق القبر إلى رفاتي بينما يصل حزنها إلى روحي هنا” ص19، وإذا علمنا أن مشاهد الفانتازيا توزعت على كافة أحداث الرواية من بداتها حتى نهايتها، فآخر مشهد جاء في الصفحة 94، نصل إلى نتيجة أن هذا التوزيع له علاقة بطبيعة الأحداث القاسية.
الرواية من منشرات المتوسط، إيطاليا، الطبعة الأولى 2021.

زر الذهاب إلى الأعلى