نصوص

صحوتُ ونسيتُ قلمي في الحلم

صحوتُ ونسيتُ قلمي في الحلم

بقلم: ميار برجاوي/ لبنان

كنتُ عند عتبة اليقظة، يتأهّبُ كُلّي لاستقبال الشمس لحظة سقط بعضي من يدي، فأغلق المنام بابه عليه، احتجزه مُحدِثًا تصدعًا نفسيًّا في منظومة كوكبي الداخلي.

حاولتُ النوم مجدًّدا لاسترداده، عبثًا باءت محاولات احتيالي، وحتى إن غفوت، هل أضمن أن يستكمل شريط الأحلام بثّه من نقطة الفراق؟ ضائعة من دونه. كيف أتنفّس بلا جهاز رئتي! كيف أتحسّس الحياة ويداي مبتورتان من ولي إحساسها! بماذا أبصرُ الكون وبؤبؤ حبري أطفأه الكسوف! من يصدّقني بعد الآن حين أردّد شعاري “أنا القلم” كلّما سُئلتُ “من أنتِ؟”

ربّاه، ما أضيقه من شعور! هاجس ضياع قلم في منام يُثقِل بالقلق والضيق، فكيف حال من فارق أحبّته. وبينما بالي عند قلمي أناشده ليعود فأعود إليّ، لاحت أمامي مشاهد مريرة من الزلزال الأخير. حنجرة الأب المفجوع مترنّحًا بين الأنقاض صارخًا بأسماء فلذات نبضه يستغيثهم ليلتحم بهم ولو صوتًا. عروق والدٍ نحتتها الصدمة مع عروق ابنته المتوفاة التي اعتادها أن تداعبه. صرخةُ طفلة صارت أم أخيها تستغيث من تستغيث لانتشالهما من لعبة موت عاشوها واقعا. الجنين الذي ولد لتوّه يتيمًا إلا من القهر. الأم المنكوبة برحمٍ يترحّمُ على من حملهم سنين وبطرفة ثوانٍ ابتلعهم الركام.

بضعةُ مشاهد من ألوف زلزلتنا. بضعُ قصصٍ صغّرت هاجسي بخسارة قلمي. الأمر ليس استخفافا بقيمة القلم، فهو كان وسيبقى ملجأي ليس مجازًا إنّما إحسًاسا. جميعنا لدينا شيء/أشياء وشخص/أشخاص، تضيق الحياة إن فكّرنا مجرد التفكير ببعدهم عنّا لمطلق سبب. وكم من المفجوعين تمنّوا لو تعود بهم الحياة أربعون ثانية لاسترداد أثمن شيء يمتلكوه أو أعز مخلوق تغدو الحياة سحب عتمٍ بدونه.

سبحان من يجعل أولوية الأشياء تتبدّل في سلّم نظراتنا إليها وعلاقتنا بها بمقياس الإحساس في جزئيات من الثانية. سبحان من نسأله الصبر والسكينة لكل مفجوع شاهدناه أم لم نشاهده، فتخيُّل المأساة يبقى أهون من اختبارها مهما فظّعت مخيّلتنا في توهّم الهم.

زر الذهاب إلى الأعلى