مجتمع

صفحة من مذكرات ممرضة: خالد جهاد

صفحة من مذكرات ممرضة
بقلم: خالد جهاد 
قد نجد أنفسنا أمام واقعٍ يفرض نفسه علينا بعيداً عن المسميات المتعارف عليها كالنسوية، والتي تلتصق بأي شخص يدعو إلى إنصاف المرأة لتأخذ حقوقها الطبيعية، فيما أجدها تحد منا كبشر لأنها تضعنا أمام القوالب الجاهزة والأفكار التي لا تخرج عن إطار ٍ محدود، ولكن ما دفعني لكتابة هذا المقال خصوصاً في الوقت الذي يكثر الحديث فيه خلال شهر آذار/مارس عن المرأة هو الوضع الذي تواجهه الممرضات والظروف التي يعيشون فيها والتي تختلف عن أي مهنةٍ أخرى نتيجة أفكارٍ مسبقة عنهن، ليجعلني أؤكد على مفهوم الإنسانية الجامع لنا جميعاً دون تقسيمات.. فلا يعرف الكثيرون أنها مهنتي التي أعيش منها وكانت بمثابة صدفةٍ غيرت حياتي بأكملها، وفي البداية واجهت كثيراً فكرة أن هذه المهنة هي مهنة للسيدات، فيما أصبح الموضوع أكثر وضوحاً للناس (نوعاً ما) بمرور الوقت حيث من الضروري تواجد الجنسين في هذه المهنة..
وللأسف قدمت السينما في العالم العربي كما شاهدنا على مدار عقود الممرضة بشكلٍ مجحف دون سبب، فكانت المرأة التي تمتهن البغاء في بيئةٍ محافظة تتذرع دوماً بأنها تعمل كممرضة لتبرير عودتها في ساعاتٍ متأخرة من الليل أو لتواجدها خارج المنزل طوال الليل، ولم يطاول هذا الإفتراء أي مهنةٍ أخرى رغم أن العمل ليلاً على سبيل المثال يتطلب وجود موظفة استقبال، وطبيبة، وعاملة نظافة، وأخصائية في المختبر، وفنية في قسم الأشعة، وصيدلانية واللواتي نكن لهن كل محبة وتقدير واحترام لتضحياتهن خصوصاً الأمهات اللواتي يتركن أطفالهن مرغمات بسبب طبيعة عملهن، ولكن أياً منهن لم يطاولها ما طال الممرضات طيلة هذه السنوات، والذي يمس سمعتهن وكرامتهن بشكلٍ ٍمباشر مع أن طبيعة المهنة التي يعملون فيها شاقة جداً..
وهنا لا نقوم بتفضيلها على أي مهنة أخرى بل نوضح حقيقة ما تعانيه ولا تقدمه شاشات التلفزيون أو وسائل الإعلام ولا يصل إلى الناس، فبعيداً عن التعب الجسدي بسبب العمل المتواصل لساعات ٍطويلة يومياً، ومناوبات متغيرة بإستمرار بين صباحية ومسائية نظير دخلٍ محدود ومحدود جداً في العديد من الدول، لا يعرف الناس كم الضغوط النفسية التي يتعرض لها أبناء هذه المهنة، سواءاً كان بسبب عدد المرضى الكبير الذي يفوق عدد التمريض بأضعاف ولا يتناسب مع العدد المتواجد بسبب النقص الدائم في طاقم الممرضين دون أن يتم تعويضه، فينبغي عليه إنجاز مهامه بكل دقة خلال فترة زمنية قصيرة لهم جميعاً وبدون أخطاء، إلى جانب القيام بالعديد من المهام التي قد تكون من اختصاص الطبيب أو فني المختبر أو فني العلاج الطبيعي كأعباء إضافية تضاف إلى مهامه الكثيرة، دون أي شعور بالتقدير والذي يتحول أحياناً إلى لوم وتوبيخ مستمر، (مع وجوب الإشارة طبعاً إلى وجود بعض الزملاء من الأطباء أو الفنيين الذين يتعاملون بتقدير واحترام مع طاقم الممرضين)..
كما تتعرض الممرضات (في بعض الأحيان) إلى التحرش الجنسي سواءاً كان من مريض أو من أحد أقاربه أو حتى من زميل سواءاً كان ممرضاً أو طبيباً أو أي موظفٍ آخر في نفس المكان، لتجد نفسها مضطرة إلى الصد بشكلٍ هادئ وإلى التزام الصمت (خوفاً على سمعتها) مع أنها لم ترتكب أي خطأ، ونادراً ما تتحلى بعض الممرضات بالشجاعة الكافية لتحصيل حقوقها أو التحدث عن ما تواجهه (خوفاً من نظرة الناس أو خوفاً على مصدر دخلها الذي تعيل به عائلتها)..
لذا نتمنى من كل من ينظر إلى مهنة التمريض وإلى الممرضات بدونية، أو يضعها في تصنيف اجتماعي متأخر والذي قد يكون من العاملين في الوسط الطبي أحياناً أن يتحرى الإنصاف، لأن أياً منا معرض للمرض ويحتاج إلى من يقوم بتمريضه أو تمريض عزيزٍ لديه، وليس من الأخلاق أن يتم تناسي كل ما يقدمه أبناء هذه المهنة من تضحيات نتيجة معتقدات واهية منبعها واحد هو التفكير الرجعي الغرائزي والذي للأسف الشديد لا زال يحمله بعض المتعلمين أو من يقدمون أنفسهم كمثقفين.. تحية إلى الممرضات زميلاتي وشريكاتي في رحلة الحياة ومن أفخر بكفاحهن وتضحياتهن التي لا يلتفت إليها أحد..

زر الذهاب إلى الأعلى