نصوص

عزلة: شعر سميح محسن

عزلة

بقلم: سميح محسن/ شاعر فلسطيني 

بيتٌ يُسَوّره السراب،

كتلٌ من الإسمنتِ تخنقُ روحَ امرأةٍ تَخَفّتْ

واستكانت في مطارحِ عزلةٍ مسكونةٍ بالخوفِ

من حلمٍ تهشّم مثلَ مرآةٍ على حجرٍ من الصوّانِ

نافذةٌ تطلُّ على المدى

لكنّها،

بستارةٍ سوداءَ تحجبُ ضوءَها

بيدينِ ترتجفانِ ترسمُ لوحةً للّيلِ

تُلْبِسُها عباءَتها

بكاملِ عتمةِ الألوانِ

تُغرقُ في غموضِ الرّوح

ترسمُ للسوادِ ظلالَ أجنحةٍ

لتحجبَ ضوءَ قنديلٍ تسلّلَ من ظلالِ الغيّبِ

لا قمرٌ يطلُّ على حدائقِ روحِها

لا نجمةٌ تتقمّصُ الأضواءَ

تسبحُ في المدى

لتعيد تأثيثَ المعاني،

وتضيء عتْمات المكان…

قولٌ على ورقٍ يطير،

ستقول امرأةٌ لعصفورٍ غريبٍ قد أطلّ على نوافذها:

أنا لا ظلّ لي كي أحتمي بظلالِهِ

وسنابلي سقطت على أمواجِ عاصفةٍ

ذرتها الريحُ في صحراءِ روحي

روحي مُعَلَّقةٌ على وجعِ الصليبِ

وأحتمي بالخوف من وجعي،

ولي لغتي التي أخفي وراءَ عيونِها هذا الغموضَ المرَّ

أمشي مثلَ حافيّةٍ على نصلِ الحكايةِ

أنحني للرّيح إن هبّت على الأوجاعِ عاصفةٌ

بلا أملٍ سأزرعُ وردةً بريَّةً في القلب،

أتُظَلَّلُ الأحلامَ في كهفٍ عميقٍ

طافحٍ بالذكرياتِ بما تفيض من اللغة ؟!

*****

سورٌ تعالى في الأفق،

غبشٌ على عتباتِ هذا القلبِ

يحجبُ رؤيةَ الأشياءِ عن عينينِ غارقتينِ في فوضى السّواد،

بيدين ترتعشان أرسمُ لوحةً للماءِ

علَّ الماءَ يروي غيمةً سقطتْ

على أطرافِ ساقيةٍ ستروي وردةً نبتتْ

على شفتيٍّ شَقٍّ في الجدار

لا شيءَ يسندُ عزلتي إلاكَ يا وجعي

وطيفُك أيّها الرجلُ الغريبُ

وما تناثر من كلامٍ في مديحِ الياسمين،

لكَ ما تشاءُ من الحديثِ عن الحياة،

لي ما أشاءُ من الرؤى

أبصيصُ ضوءِ في النفق،

سيضيء في قلبي مجاهلَ هذه العتمات؟!

وهل يأتي؟!

ألملم ما تساقط من بقايا الروحِ

أرسمَ لوحةً أخرى على جدرانِ هذا القلبِ

أنتظرُ السماءَ

لتُولِدَ نجمةً تأوي إلى جسدي

سأنتظر المساءَ ونجمةً تأتي

وقد…

*****

طيّفٌ تجسّد في المدى،

ظلٌّ هو المرئيُّ

أم وهمٌ أخاطبُه لأنجو مِن براثنِ عزلةٍ فُرِضَت عليّ،

قيّدٌ يطوِّقُ ما تبقى من شَغافِ الرّوحِ في المنفى

وروحي بنتُ منفاي التي عَلِقَت

بطيفكَ إذ يمرّ عليّ ملتبساً

على أصداءِ أغنيةٍ لها إيقاعُها السحريُّ في نصٍّ مُقدّس…

طيّفٌ تجسّد في المدى

وأنا الأسيرة في رحابِ فضاءِ سمائكَ الواسع،

ولا أقوى على قطعِ المسافةِ بين فاصلتينِ

أو كسرِ الجدار…

*****

قمرٌ يطلُّ على حدائقِها

جدائلُها معلّقةٌ على أطرافِ نافذةٍ بلا أفقٍ

يطلُّ على فضاء الرّوح والتاريخ،

أتحرسني؟!

أيا طيفَ الغريبِ بنبضِكَ الشعريِّ

تأخذني إلى بحرِ القصيدة دون طوقٍ للنجاة؟!

هو مائجٌ بحري

وهَبْتُ الريحَ آلامي تذرّيها على الأمواجِ

أجمعها لأكتبَ قصتي الحُبلى بألفِ حكايةٍ وحكايةٍ

عن عزلةٍ لا تنتهي بدلالةِ المعنى عن الوجعِ الرّحيم

لا الروح روحي

والفضاءُ الرحبُ مغلقةٌ نوافذهُ على حلمي بإمرأةٍ

تحيكُ خيوطَ عزلتِها كما شاءتْ،

أنا امرأة لا تغادر ظلّها

إلا إذا سقطت عليها غيمةٌ شتويةٌ في الصيّفِ

لِي لغتي تحرّرني من الأوهام،

أنا امرأة تحنُّ إلى فضاء سمائِها الأولى

ولا تقوى على فكِّ الجديلةِ

من براثنِ خوفِها

ماذا عساني أن أكون؟!

زر الذهاب إلى الأعلى