نصوص

عند شاطئ النسيان

عند شاطئ النسيان

بقلم: مينا بشير/ كاتبة عراقية

بعد ألف ليلةٍ و ليلةٍ مُظلِمة،

كنتُ أذبَحُ فيها على منصّةِ الخذلان بعد أن أنهي سردَ حكايَتي المكَرَّرة، كنتُ أقتَلُ على يدِ ذلك الملكِ المُقيمِ في رأسي. بعدَ أن كتبتُ لك ألف رسالةٍ غَيبية، بعد أن بذَلتُ ألف محاولةٍ للنسيان عدتَ و كأن شيئًا لم يكُن.

جدَّدتُ من ديكور حياتي كثيرًا لأخفي ذلك الشرخَ الواضحَ في جدارِ قلبي. أصبحتُ اجتماعيةً إلى حدٍّ مخيف، إلى حدِّ أنني لم أعُد أعرفُني. زرتُ مئات الأماكنِ التي لم تشهَد على جريمةِ لقائنا، قصَدتُ كل المقاهي التي لا تُذَكِّرُني بك و عرَفتُ الكثيرَ من الأصدقاءِ الجُدُد، بنيتُ علاقاتٍ جديدةً لأحشو بها ذلك الثقبَ الأسودَ الذي تركتهُ في نفسي. تحوَّلتُ تدريجيًا إلى فتاةٍ ثانية، انكَبَبتُ على الدراسة و العمل، أصبحتُ فجأةً من روادِ الصالةِ الرياضية، كل ذلك كان في سبيل الانتقامِ من الماضي. لقد كنتُ أشبهَ برجلٍ آليٍّ مُحتَرِق، لكن أحدًا لم يلحَظ ذلك الحريق و لا ألسنةَ اللهبِ المُتصاعِدة. شيئًا فشيئًا استطعتُ إحراق جميعِ النسَخِ القديمةِ مني. تجرَّعتُ ألفَ كأسٍ من الحزنِ و أصبحتُ أقوى، ابتسَمتُ للحياةِ بعد خصامٍ طويل و استطَعتُ استرجاعَ تلك الروح المَرِحة.

بعد أن حبَستُ نفسي طويلًا في ذلك الماضي، لملَمتُ أطرافَ جُرأَتي و نظرتُ إلى مُستقبَلي بعدسةِ العين السحرية، و لكن ما إن همَمتُ بفتحِ الباب حتى شدَدتَني من الخلف، و في غضون لحظةٍ عدتُ إلى مربَّعِ الصفر. سرتُ طويلاً حتى بلَغتُ حافّةَ التشافي، عندها فقط عدتَ أنت و عادَ معك كل شيء، فانتهَت صلاحيةُ النسيان.

زر الذهاب إلى الأعلى