ثقافة

في أزقة الحنين

في أزقة الحنين

ماري نادر ميا- باحثة في الفلسفة

اعتادت أن تشغل ذلك الضوء ذي الألوان الزاهية، ذلك الضوء الذي نستخدمه ليلاً بإضاءة باهتة كي نستطيع النوم، كان ضوؤها أخضراً لم تلاحظ يوماً أنه ذو إنارة عالية، لكن الليلة شعرت أنه جداً قوي، ولا يصلح ليكون ضوء الليل، اعتادت أن تشغله ثم تذهب لتستلقي على سريرها، تمسك هاتفها المحمول وتنطلق في حديثها ساعات طوال، كانت تلك الأحاديث تشع أكثر من الضوء فيما سبق، لماذا اليوم الضوء يشع أكثر منها؟ ولماذا يبدو أنه ضوء عادي؟ استلقت كأيامها السابقة، لكن لم تمسك هاتفها المحمول فهي لا تنتظر ما كانت تنتظر سابقاً، تأملت الضوء قليلاً ثم كثيراً وأفضى التأمل إلى أن الضوء فقد بريقه، جالت عيناه في الغرفة، كم من زمن مضى على ملاحظة محتويات هذه الغرفة، تتأمل وكأنها ليست غرفتها، من وضع المكتب هنا؟ ومن رتب الأثاث بهذا الشكل؟ ومن اختار لون الضوء الليلي؟ كيف رتبت الأقلام والدفاتر هنا؟؟ من وضع الغيتار هنا؟ من اختار لون الغطاء؟ شكل الورد؟ من اختار كل شي؟ كأنها لم تكن هي؟ نهضت بسرعة، تأكلها الدهشة، شعرت بأن هذه الغرفة ليست لها، ورافقها شعور أن شيء ما ينقصها، أصابها الاستغراب؟! فهي لم تحرك شي فما الذي ينقصها؟! هونت عليها وعادت للاستلقاء، تأملت السقف، منذ زمن لم تلحظ وجوده؟ تساءلت في سِرها؟ لِمَ أشعر أنه وضع حديثاً، لم ترغب في الدخول بتلك الأسئلة التي ستفضي حتما إلى ألمها، أغمضت عينيها مجبرة بعد أن اغرورقت بالدمع، كانت تشعر بأن تجويف صدرها فارغاً، لم تلحظ يوماً الفراغ، على الدوام كان مكتظاً مفعماً بالحياة والصمود والتحدي، كان مفعماً بالكل، مفعما باللا شيء الذي يُسمى حب، كانت قد سرحت شعرها وقامت بجعله منساباً كشلالات الماء، فلم ترد أن تسقط دموعها عليه فيذهب رونقه، مسحت الدموع بغطائها، لكن كيف نغلق الصنبور المكسور؟! لم تشاء أن تفعل شي سوى أن تترك نفسها للذكريات علّها تريح قلبها قليلاً، لكن طريق الذكريات أخذها لمزيد من الدموع، فقد اشتاقت لتلك السهرات وتلك الكلمات، افتقدت حتى ذلك الخوف من انقطاع التيار الكهربائي فقد يطفئ هاتفها المحمول ولا تستطيع اكمال تلك الأمسية، اشتاقت لاهتزاز هاتفها المحمول على مدار اليوم، ومدار الساعة وخصوصاً على مدار الأمسية، رغبت بأن يهتز معلناً أن تلك الذكريات التي سكنت مخيلتها ستعود للواقع بعد طول غياب، وطول خذلان، فاهتز فعلاً، اسرعت علّه المنتظر، لكن عودتها كانت بخيبة أمل فها هي شركة الاتصالات تخبرها عن مسابقة لربح جائزة قيمة، لكنها لم تشعر أنها قيمة؟!! تساءلت في نفسها ماهو القيم؟!! كانت تعلم على الدوام ان القيم لديها هو الحب والوفاء، هو الانتماء وعدم الخذلان، ما قيمة المال إن لم يصحب بالحب، أنحيا للحب أم المال؟!! نحيا للحب وبالحب، اهتز مرة أخرى أسرعت علّه المنتظر، لكن خذلان يتبعه خذلان، وغصة قلب يتبعها غصة قلب، شركة الاتصالات تعلمها أن بإمكانها أن تعرف حظها، تساءلت أعرف حظي؟! لقد عرفته، ما الذي سيضاف عليه؟! اسيكتب طالعي غداً أننا سنعود؟! وأننا سنحيي عهدونا من جديد، اسيكتب طالعي أن الفراغ في تجويف صدري سيملئ كما كان، اكملت مسح دموعها فهي لا تريد لشعرها أن يفقد تسريحته، استلقت على الجهة الاخرى وأثناء حركتها شعرت أن عليها أن تطفئ الضوء الليلي فهو مزعج، مزعج جداً، أعادت الذاكرة كم كانت تلك الليالي جميلة، كانت حقاً جميلة خالية من الانتظار، مليئة بالحضور، أكان عليها أن تبادر بشيء، لكن عن أي شيء تتكلم عند إهانة القلب، لم تدري ما الذي تفعله إلا أن تغير استلقائها كل بضع دقائق، وكأنها ترفض الألم وعندما يشتد تلقيه لزاوية اخرى في قلبها، وتستمر بذلك حتى منتصف الليل، لا تدري كيف غطت في النوم؟! اهزمها الألم فاستسلمت!؟ ولا ما الذي فعلت قبل النوم؟! ما الذي فكرت به؟! عند كل استيقاظ ترفض أن تفتح عيناها، هذا نحن عندما لا نريد تصديق الواقع وتقبله، نكره لحظة الاستيقاظ، وكما قال المركيز دو ساد” لحظة الاستيقاظ هي الأشد رعباً للمبتلين، فالخيال يملأ الروح سريعاً، منتعشاً مفعماً من عذوبة النوم” تعيد نفسها للنوم مرغمة، هي لا تريد أن تستيقظ كي لا تشعر بألم الغياب، وألم الفقد، وألم الخذلان، كانت محاولة منها أن تخبئ قلبها وتبعد عنه الألم، كان فراغ تجويف الصدر قاتل ومميت، كانت كيمياء القلب غير منتظمة، كان كل شي ليس على ما يرام، وكانت على ما يسوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى