مقالات رئيس التحرير

في مسرحية ليلى والمجنون: جواد العقَّاد

في مسرحية ليلى والجنون

بقلم: جواد العقَّاد/ رئيس التحرير

مدخل:

“ليلى والمجنون” مسرحية شعرية كتبها الشاعر المصري صلاح عبد الصبور ونشرت عام “1972م”.

والعنوان يُذكرنا بقصة العشق الخالدة في التراث العربي بين قيس بن الملوح وليلى العامرية. ويُذكرنا أيضًا بمسرحية “مجنون ليلى” للشاعر أحمد شوقي التي عرضت قصة قيس وليلى.

المسرحية ليست كمسرحية شوقي تعرض قصة مجنون ليلى، ولكن نحن نعرفُ تمامًا أن قصته أصبحت رمزًا للحب والهوس به، لذلك تسمية بطلة المسرحية ” ليلى” لم تكن مصادفة وإنما مقصودة؛ فليلى رمز للمعشوقة عند العرب. أما بطل المسرحية

“سعيد” مجنون الشك والخوف وغرفة الذكريات السوداء يثير الشاعر من خلال شخصيته قضية مجتمعية مهمة، وهي أن تعرض الإنسان لمواقف صعبة وقاسية في طفولته يؤثر عليه سلبًا ويبقى أثره في كل مراحل حياته، بمعنى يصبح لديه عقدة نفسية تصاحبه مدى الحياة.

كما أن الشاعر يشير إلى علاقة المثقف بالسلطة، تلك العلاقة المضطربة. وبالتأمل في المسرحية نلاحظُ أنها تحمل في بنيتها الثقافية مفاهيم رفض وثورة، بعبارة أوضح يريد الشاعر القول: الثورة في وجه الاستبداد هي الحل الأوحد للتخلص منه. وتتضمن المسرحية الحب بين الجنسيين باعتباره خبز الحياة وقوامها الأول ويحاول الشاعر من خلال الحوار الكشف عن جوهر الحب. وهذه القضايا المطروحة في المسرحية سأحاول الكشف عن أهم مواطنها بالتحليل والدرس. تقع المسرحية في “103” صفحات وتنقسم إلى ثلاثة فصول كلها تتمحور حول الموضوعات الرئيسة التي تعالجها.

التحليل:

تبدأ المسرحية في غرفة مكتب لمجلة قليلة التوزيع في القاهرة، ويعلق على جدران الغرفة صورة لبعض قادة النضال القومي ومقابلها لوحة دون كيشوت للفنان الفرنسي “ونوريه دومييه”.

إذن من بداية المسرحية وبدون كلام ينقد عبد الصبور واقعه. فماذا يعني بهذه الصور غير أنه يريد القول: هذا زمن البطولات الزائفة، وخديعة الذات بالوهم، واقناع الحكام لأنفسهم وللجماهير بأنهم يمتلكون القوة ولكن في الحقيقة ما هي إلا وهم. هذه دلالات تحملها لوحة دون كيشوت أمام صورة البطولة الحقيقة.

ودون كيشوت شخصية خيالية روائية في رواية بنفس الاسم للأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا.

ويكون دون كيشوت مولع بقصص الفروسية إلى أن يُصاب بالهوس، كما نحن مولعون بفروسية أجدادنا العظماء. فيركب حمارًا على أنه حصان ويستل سيفًا صدئًا ويرتدي درعًا من ورق. فالشاعر عبر عن حال العرب تمامًا. دون كلام. بتشبيههم بدون كيشوت.

يقول الشاعر على لسان زياد عن صُحف القصر ص2:

هم يجذبون عيون القراء

بإشارات الكلمات البراقة

والقارئ قد يقرؤهم قد يهوي في شرك الاغواء لكن

لابد وأن يلعنهم إذ يطوي الصفحات.

يبين أن علاقة السلطة والشعب قائمة على الاستغفال. فالسلطة، أي سلطة، دائمًا تجير الرأي العام لصالحها إما بالقوة والترهيب أو بالمال أو بادعاء الوطنية والحرص على مصالح الوطن والمواطن ورفع الشعارات الرنانة وتضليل عامة الشعب ببلاغة الخطاب السلطوي، ولكن هذا الاستغفال لا يطول فلابد من ثورة يتطلبها الواقع.

هذا الخطاب لا يغري المثقف الواعي الكاشف للزيف، والمثقفون أمام مواجهة السلطة على فريقين: منهم من يرى أنه ليس في الوسع غير الكلمة ومنهم من لا يؤمن إلا بالقوة مقابل القوة. وهذه من أهم القضايا التي طرحتها المسرحية .

يقول الشاعر على لسان سعيد ص3:

ماذا نملك إلا الكلمات؟

هل نملك شيئًا أفضل.

يرد حسان:

ما تملكه يا مولاي الشاعر

لا يُطعم طفلًا كسرة خبز… وفي نهاية كلامه يخرج مسدسًا، في إشارة منه إلى عدم جدوى الكلمات وأن القوة هي الحل.

وفي ذات الموضوع يقول حسان في نقاش عن أشعار الشاعر الألماني بريخت بما معناه ص23: أن شعر بريخت وغيره لم يمنع الحكم النازي لألمانيا. فيرد عليه الأستاذ: لكن النازية سقطت يا ولدي. فيرد سعيد: لم تسقط بالكلمات.

ومن خلال شخصية سعيد تثير المسرحية قضية مهمة، وهي أن رهبة الإنسان من أمر في طفولته تبقى مصاحبة له طوال عمره.

سعيد لديه تصور مشوه عن الزواج وعلاقة الرجل بالمرأة لأنه رأى أمه تتعرض للذل والاغتصاب وبيع جسدها مقابل لقمة العيش وعاش طفولة قاسية. وتبدأ هذا القضية من حوار سعيد مع محبوبته ليلى ص41.

ليلى: سلوى سألتني اليومَ

متى نتزوَّجُ؟

سعيد: ماذا قُلتِ لها؟

ليلى: قلتُ لها ما أعرفُ

إني لا أعرفُ

سعيد: ماذا قالتْ؟

ليلى: سلوى تتمنّى لي الخيْرْ

سعيد: هلْ أُمُّكِ في خيْرْ؟

ليلى: أمي؟!

سعيد: أفليستْ زوجَهْ؟

ليلى: نعمْ

سعيد: وسعيدةْ؟

ليلى: لا أدري! لمْ أسألها عنْ هذا قطْ

سعيد: هل أنتِ سعيدهْ؟

ليلى: جدا

سعيد: بمَ أنتِ سعيدهْ؟

ليلى: بالحبِّ، وبكْ

… لكنَّ سعادتنا لا تكملُ إلاّ

سعيد: هلْ حبُّكِ لي ناقصْ؟

ليلى: أتمنّى لوْ نحيا في عشٍّ واحدْ

ليلى: بل هو تحقيقُ سعيد: الحبُّ إذنْ وهْمٌ.

 

يعالج الشاعر القضية بأسلوب فني ذكي يترك أثرًا عميقًا في نفسية المشاهد، بحيث يلجأ إلى تقنية الاسترجاع، أي يستحضر المشاهد التي شوهت نفسية سعيد، ويعود بالزمن إلى الوراء، فالحوار بين سعيد وليلى لا يكفي لتصوير كمية الوجع لا سيما خارج الورق، على خشبة المسرح. وتُفتح غرفة التذكار السوداء على سعيد وأمه. وكالعادة يوجه الشاعر عبد الصبور نقده اللاذع للمجمع فيقول على لسان سعيد هذا الفتى الذي ذاق المر منذ طفولته مما جعله لا يؤمن بالمجتمع ص51:

في بلد يتمدد في جثته الفقير كما يتمدد ثعبان في الرمل

لا يوجد مستقبل

في بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكل لا يوجد مستقبل..

وحين تقول ليلى: سعيد فكر في مستقبلنا نحن. يرد: كانت أمي أيضًا تطمع في مستقبل.

كل شيء في حياة سعيد أصبح مبني على طفولته القاسية. أصبح يحتقر المجتمع ويظن أن الزواج وحش، إنه يقيس كل شيء على ما قاساه في طفولته، وهذا أصبح متجذرًا في وعيه فدائمًا يعطي الأدلة على سوء المجتمع ولا يراه إلا من هذه الزاوية السوداء.

خلاصة:

تتضمن المسرحية أحداثًا كثيرة ولعل ما ذكرته أهم ما يريد الشاعر إثارته وهو: العلاقة المضطربة بين المثقف والسلطة، وأن المجتمع هو الذي يشوه فطرة الإنسان كما حصل مع سعيد.

إن طرح المسرحية قاس ولاذع في نقد السلطة والمجتمع. أما أسلوبها فهو شاعري متعال، كما عودنا عبد الصبور في مسرحياته.

زر الذهاب إلى الأعلى