ثقافة

قراءاة في رواية لائحة رغباتي للكاتب غريغوار دولاكور

قراءاة في رواية لائحة رغباتي غريغوار دولاكور

بقلم: آمال بن عبد الله 

ماذا لو فزت بورقة يناصيب هل فكرت يوما في لائحة مشترياتك؟

حسنا..!

هل فكرت في مصباح من أجل طاولة المدخل، مشجب دوار، مقلاتا تيفال، مكروييف جديد، حصيرة حمام مانعة للانزلاق، شاشة مسطحة، جهاز راديو…إلخ…

أنت لم تفكر في هذا، ولا بطلة روايتنا فكرت في هذا من قبل، لكنها ولسوء حظها مصادفة ودون تخطيط مسبق وجدت نفسها تملك 18 مليون يورو في يدها وحدث هذا عندما أقنعها التوأم بلعب Euromillion، فلعبت وكانت الفائزة الوحيدة في بلدتها أريس وهي بلدة صغيرة في باريس، لتتغير حياتها 180 درجة بعد هذا الفوز.

بطلة قصتنا، امرأة عادية جدا، سعيدة بحياتها ولا تطمح لتغييرها، حيث قالت مرة : “حياتي بسيطة وأحبها كما هي” ، تدير محلا صغيرا لبيع لوازم الخياطة وتكتب في مدونتها ” الأصابع الذهبية العشر” عن الخياطة والطرز والحرف اليدوية والتي استطاعت من خلالها أن تستقطب آلاف المتابعين.

جوسلين أو جو كما يلقبونها، لها زوج محب اسمه جوسلن و من صدف الحياة القليلة أن يتطابقا في الاسم مع فارق بسيط في حرف ” الياي”، هذا التطابق الذي سبب نكستها وأكبر خيبة في حياتها.

بعد فوزها تشوش ذهنها وتماطلت في اخبار زوجها، فخبأت الشيك تحت النعل الداخلي لحذاء قديم، وكانت أحيانا في الليل، تنتظر حتى يبدأ زوجها جو بالشخير، لتغادر سريرها وتمشي دون ضجيج إلى خزانة الأحذية، تدس يدها في الحذاء وتخرج منه الورقة الكنز ، تحبس نفسها في الحمام ، وهناك تتأمل الشيك وتصاب بالدوار من أرقامه، قررت صرفه وشراء كل ما ترغب فيه، فالطبيبة النفسية حذرتها يوم ذهبت لاستلام شيكها قائلة: “الطمع يشعل كل شيء في طريقه”. خشيت أن تتغير حياتها وتخسر راحتها جراء هذا الثراء. وهذا ما جعلها تتردد في الافصاح عن هذا السر لزوجها ومعارفها،

لا أعرف كيف غاب عن جوسلين الحكمة التي تقول أنه حتى الأعمى يمكنه أن يرى المال!

اكتشف زوجها السر الذي أخفته في نعل الحذاء، و الراجح أنه سرق الشيك عندما أصلح باب خزانة الأحذية وأراد بعدها مسح غبار الجص عن أحذية زوجته الذي سببه حفره للجدار لتثبيت مقبض الباب فكان ما كان، هي لا تذكر متى بالضبط حصل ذلك، أخذها الشك وتوهتنا معها في أسئلة صعبة، أيعقل أن كل الدلال وكل الحب الذي أغدقه عليها بعد عودتها من باريس كان من أجل اليوم الموعود؟ كان تنويما مغناطيسيا لها ليحصل على مراده, يوم سرق الشيك هجرها دون أن يلتفت إلى الوراء، بعد أن ادعى أنه سيسافر في مقابلة عمل.

قالت جوسلين بعد اكتشافها لخيانة جو: ” كانت ديزي دوك محقة، الجشع يحرق كل شيء في طريقه؛ كنت أعتقد أن حبي كان حاجزا، سدا منيعا، ولم أتجرأ على تخيل جو، حبيبي جو، يسرقني ويخونني ويهجرني. ويدمر حياتي”.

كلما كبرت الأكاذيب، قل أن يرى الناس قدومها.

صدمتني الكاتبة بهذه القفزة الخطيرة غير المتوقعة لأحداث الرواية، وهي تكتب لائحة مشترياتها تخيلت حبكة مغايرة تماما ، وكأنةأسوء ما توقعته أن تجن و تتبرع برصيدها من أجل والدها المصاب بالزهيمر مثلا أو من أجل احدى متابعات دمونتها تلك التي اصيبت ابنتها بالمرض، أو أن تصارح زوجها بأمر الكنز يوم دعاها إلى العشاء في مطعم للاحتفال بقرار ترقيته إلى رئيس عمال ثم يخططان معا لحياة أفضل فتسير أحداث الرواية لترسم لنا مسار هذا التغيير على حياتهما ومحيطهما معا، توقعت أي شيء غير الغدر والخيانة من جو، فصدقا، لا شيء في العالم يفسد الأخلاق كالمال.

كم كنت طيبة وساذجة، وكم صدمني هذا الغدر وكأنه وقع لي أنا شخصيا، قالت بعد اكتشافها لسرقة الشيك: “كنت أحب بعمق حياتي، وعرفت من الوهلة الأولى التي ربحت فيها أن هذه النقود ستفسدها، (…)،

لذلك كنت قد اتخذت قراري بعد عودتي من باريس مع الشيك ببضعة أيام: هذه النقود قررت احراقها، لكن الرجل الذي كنت أحبه سرقها” .

اخفت الأمر عن الجميع ولم تقل شيئا. لا عن فوزها ولا عن سرقة جو لها. وقررت تغيير حياتها وتجاوز خيبتها.

تحضرني مقولة جميلة عن وصف الخيبة لغريغوارا دولاكور كنت قد قرأتها في رواية جميلة له عنوانها: لم أكن أرى إلا السعادة: ” كدت أحطم كل شيء في المكان ، لكنني تركت الأشياء تنكسر في قرارة نفسي.. أردت العودة إلى عالم الطفولة والأوهام غير المؤذية، والدم الذي لم يزل مجرد لون ولم يصبح بعد ألما”. بهذه الطريقة تجاوزت جوسلين محنتها كانت تبكي كلما قرأت كتاب حسناء السينيور، هذا الكتاب الذي ساعد زوجها في كتابة رسالة يطلب فيها السماح من زوجته بعد مرور 18 شهرا، لكنها كانت قد ماتت لتولد من جديد أخرى ، أكثر برودة، أعاد الألم تشكيلها بطريقة غريبة، مات جو وهو ينتظر جوابا منها بعد أن أعاد لها في ظرف الرسالة 15 مليونا، وكان قد صرف من الشيك 3 مليون يورو فقط. دمر زواجه ومات وحيدا منبوذا ومكروها جراء طمعه وخيانته.

فهل المال يجلب السعادة حقا…!!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى