تقارير

قراءة في رواية العنود للروائي عباس التميمي 

قراءة في رواية العنود للروائي عباس التميمي

بقلم: مريم غسان المصري/ باحثة 

يعد الكاتب عباس مجاهد التميمي الفلسطيني من الكتاب المتنوعين في إنتاجهم الأدبي، وهو فوق ذلك ناشط اجتماعي وثقافي وتربوي؛ إذ أصدر عدة مؤلفات وأبحاث منشورة وغير منشورة، أهمها: النحو العربي البسيط، التواصل بالموروث في شعر محمد القيسي، خواطر عاشق من أرض المقدس، والخيل في شعر عنترة العبسي.

يستطيع الكاتب أن ينسج من وحي إبداعه ثوبًا مميزًا يثير عين القارئين له؛ إذ تمكن الروائي عباس التميمي من مخاطبة المتلقين لروايته (العنود) بعدسةٍ تلقي النظر على الأوضاع السياسية والاجتماعية والوطنية والصحية والتعليمية في الأراضي الفلسطينية خاصة مدينة القدس الشريف؛ إذ تضافرت في تشكيل المادة السردية، وهي شديدة الأهمية في الرواية؛ لأن أحداث الرواية متصلة بتلك الموضوعات، حيث عملت على بلورة مضمون الرواية، ومكوناتها خاصة: الأحداث، والشخصيات، والخلفيات الزمنية، والفضاءات.

فعلى صعيد الشخصيات انقسمت في رواية التميمي (العنود) إلى قسمين: شخصيات رئيسية مثلتها شخصية: باسم والعنود، وشخصيات ثانوية ممثلة بـــ: الحاج جبر الحسيني، ووالد العنود (الهيبة) وأمها، ووداد، وعلي، والطبيب، والجدة، والخالة عائشة وغيرهم من هذه الشخصيات التي ساعدت على نمو أحداث الرواية.

وجاء ذكر الروائي لشخصيات واقعية كحديثه عن الدكتور مروان العورتاني؛ للرفع من قضيته القومية والوطنية المتمسك بها، وتجسد ذلك في حديثه عنه: “أ.د مروان العورتاني ولد في عنبتا في محافظة طولكرم عام 1949م، وهو وزير التربية والتعليم الفلسطيني في حكومة دولة الدكتور محمد اشتية، والرئيس السابق لجامعة فلسطين التقنية (خضوري) كما عمل قائمً بأعمال رئيس جامعة القدس في أبو ديس الواقعة في القدس وضواحيها، وحاضر في جامعة بيرزيت، وترأس الفريق الوطني لسياسات البحث العلمي…”.

وحرص الروائي على إظهار هويته وتراثه؛ إذ حققت الرواية تواصلًا تراثيًا بين العادات القديمة التي تمسك بها الشعب الفلسطيني على الرغم من التطور الثقافي والحضاري إلا أن الشعب بقي محافظًا على هويته خاصة مع بداية تفشي فايروس كورونا في أرجاء العالم، فهو لم يمنع من العادات المتوارثة من جيل إلى جيل؛ لأن الحد من انتشاره تقتضي إجراءات يجب على الإنسان الأخذ بها، فالوقاية خير من قنطار علاج، ومن ذلك ما جاء في الرواية: “في زمن الكورونا عادات اجتماعية جديدة لم يعتد عليها الكثيرون بدأت في الظهور من إلغاء قاعات الأفراح والتحذير من المصافحة، واللمس، لتقصير حفلات الزواج على العروسين وذوي القربى ذي الصلة المباشرة، وتحطمت أحلام الفتيات في انتظار “ليلة العمر”، وكثير منهن طلبن تأجيل أفراحهن، ولكن العنود ليلة العمر بالنسبة لها أن تكون مع باسم لا في صخب القاعات والموسيقا وموكب السيارات كما قالت للخالة عائشة”.

واستدعى الروائي المكان في روايته لما له من أهمية كبرى في تجسيد نضال الشعب الفلسطيني، وحرصًا على بيان المكانة الدينية المقدسة التي تمتعت بها مدينة القدس، فنرى الكاتب يصف باب الرحمة في قوله: “باب الرحمة هو باب مغلق يقع في السور الشرقي للمسجد الأقصى، وارتفاعه أحد عشر مترًا ونصف، ويوجد داخل مبنى مرتفع ينزل إليه بدرج طويل داخل المسجد الأقصى…”.

وانبثق الشعر الحديث من حنايا روايته يحمل دلالات عدة؛ لتدعم الهدف الوطني والثوري؛ إذ وظف الروائي التميمي شعر الشعراء المحدثين في روايته؛ لتعطي موقفه قوة اتجاه وطنه فلسطين، ومن ذلك توظيفه لقصيدة الشاعر أيمن اللبدي “سجل أنا القدس” التي يقول فيها:

سجِّلْ أنا القدس ُ

أنا أرضُ النُّبوات ِ

أنا زهرُ المداراتِ

أنا دررُ المدائنِ والقلوبِ الغضبة ِالحيةْ

أنا للمجدِ عنوانٌ وأهدابي عربيةْ

أنا دربُ البطولاتِ

أنا بابُ الحضاراتِ

تعرض رواية (العنود الحب في زمن الكورونا) للكاتب عباس التميمي حقلًا وطنيًا مهمًا يتمثل في الدفاع عن الأرض؛ إذ تكشف الرواية الأحداث التي عاشتها فلسطين وعاصمتها القدس من احتلال الإسرائيليين وإجراءاتهم التعسفية بحق المقدسيين من طرد لهم واستيلاء على بيوتهم.

ويضعنا عنوان الرواية (العنود) حول تساؤلات عدة؛ إذ تشكل عتبة العنوان دورًا مركزيًا خاصًا في التحضير لاستقبالها من قبل المتلقي لمعرفة العنود تلك الشخصية البطلة الرئيسية التي تمتعت بجمال ورصانة في العلم والأخلاق.

وانطلاقًا من طموح العنود في دراستها للطب في إيطاليا، حيث عرفت بكونها طالبة متفوقة في دراستها، فقد حصلت على المرتبة الأولى في صفها الحادي عشر على مدرستها بفضل دعم والدها الشهيد البطل (الهيبة)؛ إذ أوصاها أباها في قوله: “إياك يا ابنتي تضعفي يومًا، أمامك معترك مع الحياة، وعلى سيف عقلك وثباتك أن يبقى ماضيًا مشحوذًا، وعليك ألا تستسلمي أمام طموحاتك، واعلمي يا ابنتي أني أريدك متميزة دراسيًا وتكوني أنموذجًا يحتذى به في الصبر على العلم وفي مقارعة الاحتلال، وأن تكوني دومًا عونًا لأمك المريضة”. كما وحصلت على المرتبة الأولى على الوطن العربي بحصولها على معدل 99,6% في الصف الثاني عشر؛ لكن فرحتها لم تكتمل، فحال وصولها البيت لمشاركة أمها لذة نجاحها وافتها المنية بعد مشاهدة ابنتها على شاشة التلفاز تحكي عن مدى إصرارها وحبها للعلم، فاعتصر قلبها حزنًا لفراقها، وقد دعت والدتها لها بــ “اللهم أقر عينيها بما تتمناه، اللهم اجعل أوقاتها متميزة بذكرك، وأسعدها بتميزها ونولها ما تحب وترضى، اللعم احفظها من أي مكروه فلا أخًا لها ولا أبًا فأنت حولها وقوتها، واحفظها من الشيطان الرجيم”. بذلك أصبحت العنود يتيمة وحيدة لا أب لها، ولا أم ولا أخ ولا أخت، فخلف الألم يختبأ الأمل وبين الصخور تنبت الزهور، وبعد ضياق الأمر تلتئم الجروح… ففي كل لحظة مرت فيها العنود لاقت الحزن في الدروب، والطموح اللامحدود هو الوقود للوصول إلى القمة، وعندما يتعلق الأمر بالنجاح فإن أساسه وضع الخطط والأهداف والسير عليها، والتي تعتمد على مبدأ التنظيم والمثابرة.

تحكي لنا الرواية عن قصة شخصيتها العنود المتفوقة؛ إذ استطاعت إثبات ذاتها وجدارتها في كل يوم تراجعت فيه وشعرت بالوهن إلى أن منحها الله الصبر وأبدل دمعتها فرحًا من زواجها بباسم ذاك الشاب النضالي المحب لوطنه وخدمة شعبه الصامد على أرضه، كما عرف عنه بأنه من المتفوقين في دراسته للطب في جامعة القدس أبو ديس، وهو محب للأدب وكاتب للشعر مما جعله يكتب خواطرًا جمعها في دفتر قدمها للعنود أثناء خطبته لها.

دمج الروائي التميمي في روايته بين الحقيقة والخيال؛ إذ عرض روايته على صعيد المباشرة الممتلئة بالأحداث المفعمة بالحركة والإثارة والشوق الدائم نحو حياة ومستقبل أفضل، وبذلك تمكن الروائي من بناء عالم روائي صادق يملئ أركانه الحب والإخلاص بين شخصياتها بألفاظ سهلة عذبة تثير عين كل من يقتنيها.

زر الذهاب إلى الأعلى