ثقافة

قصائد الشعر العربي التي عبرت الزمن

قصائد الشعر العربي التي عبرت الزمن

خاص اليمامة الجديدة – دانا أبو زيد

المعلقات هي قصائد طويلة لمعت في العصر الجاهلي ونُقشت في ذاكرة التاريخ أشعاراً بإيقاع استثنائي متفرد بالجمال والإبداع بما حملته من جوانب شعرية عدة مثل: الوقوف على الأطلال، تذكُّر المحبوبة، وصف الليل والصحراء والتفاخر بالقبيلة، وقد توارثتها الأجيال عبر العصور ووُضع عليها الكثير من الدراسات الفنية النقدية؛ وذلك لأهمية ما قدَّمته من فوائد أدبية ونحوية وتاريخية، ولما كشفته من عادات وظواهر للعرب في العصر الجاهلي.

يعتقد الباحثون أن سبب تسميتها بهذا الاسم هو أنها كانت تكتب بماء الذهب (لذا دعيت بالمذهَّبة) وتعلَّق على ستار الكعبة، وقد شكَّل عددها جدلاُ واسعاً ثم توصلوا إلى أنها سبع معلقات أساسية، وهي: معلقة امرئ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، الحارث بن حلزة.

بدايةً بالمعلقة الأولى لامرئ القيس:
هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث من قبيلة كندة اليمنية، ولد في عام 500 م في نجد وقد بدأ مسيرته الشعرية منذ نعومة أظفاره، لقب بـ ((الملك الضليل)) و((أمير الشعراء))، اشتهر بالغزل الفاحش وكان أول فارس حمل لواء شعر المذهَّبة ليزينه بمعلقة ساحرة تنوعت أغراضها بين غزل ووصف وتشبيهات واستعارات تجعل القارئ يتصور تصوراً عميقاً في وجدانه لإدراك جوهر المعاني الكامنة في هذه الأبيات التي تعدت السبعين بيتاً وقف بها على الأطلال وأجاد في وصف الليل والغزل ومعاناته في عشق ابنة عمه “فاطمة” التي لم يتزوجها.

ومطلعها:
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ

المعلقة الثانية لطرفة بن العبد:
هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن بكر بن وائل، وطرفة هو لقب له فاسمه الحقيقي هو عمرو، وُلد طرفة بن العبد في البحرين في عام 539 م، عرِف بنبوغه المبكر وانفتاحه على الشعر، توفي أباه مبكراً وكفله أعمامه الذين أبوا أن يعطول له نصيبه من إرث أبيه فعاد لينشأ مع أمه ببؤس شديد أودى به إلى حياة اللهو والانغماس بالملذات، وهذا ما فجَّر غضب قبيلته التي حكمت عليه بالابتعاد عنها فصوَّر ذلك في معلقته التي فضَّلها بعض النقاد على جميع المعلقات الأخرى لما تحمله من معانٍ إنسانية وبراعةٍ في التشبيه وشرح لمعاناة تجسدت في أبهى صورة حيث تجاوز عدد أبياتها المئة، ونرى في مطلعها:
لِخَولة أطْلالٌ بِبُرقَة ثهمَدِ
نلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ

المعلقة الثالثة لزهير بن أبي سلمى:
هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، ولد في عام 520 م، ينتمي إلى قبيلة “مزينة” وهي إحدى قبائل مضر، نشأ في كنف عائلة شعرية، لُقِّب بـ ((حكيم شعراء الجاهلية)) و تميز بكونه شاعراً فذاً كريم الخلق ومبتعداً عن الفواحش، اشتهر بأنه كان ينظم قصيدته في أربعة أشهر ثم يهذبها في أربعة أشهر ثم يعرضها على خاصة الشعراء في أربعة أشهر، وبهذا يكون قد عكف عليها حولاً كاملاً ويطلق عليها اسم” الحّوليات”، وبالنظر لمعلقته المذهلة نجد في مقدمتها وقوفاً على أطلال دياره التي هجرها ومن ثم الدخول في غرضها الأساسي وهو مدح المصلحين بين قبيلتيِّ عبس وذبيان ليبارك جهودهم في حقن الدماء وعودة الأمن والسلام، وبلغ عدد أبياتها تسع وخمسين بيتاً.
مطلعها:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ
بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ

المعلقة الرابعة للبيد بن ربيعة العامري:
لقب ب “أبو عقيل” , ولد في عام 534 م ينتمي لقبيلة هوازن و هي قبيلة مُضريّة , نشأ في أسرة مشهورة النسب , عُرف بالنباهة و فصاحة اللسان حيث تحدث باسم قبيلته منذ صغره ثم غدا فحلاً من فحول الشعراء في عصره و فارساً من الفرسان الأشراف في الجاهلية , تغنى بالنساء و افتخر بالكرم و الشجاعة و مدح قومه إلى أن أدرك الاسلام فأسلم لكنه لم يصنف ضمن شعراء المسلمين لأنه هجر الشعر بعد إسلامه , تميز شعره بأنه يغوص في المعنى الغريب و الحكمة البليغة و هذا ما ظهر من خلال معلقته المذهلة التي تناولت مواضيع جوهرية مثل الكرم , ذكريات الوطن , الاعتزاز بالقبيلة و الغزل الممزوج بالوقوف على أطلال المحبوبة و بلغ عدد أبياتها ثمان و ثمانون في مطلعها :
عفت الديارُ محلّها فمُقامها
بمنّىً تأبّد غولُها فرجامها

المعلقة الخامسة لعمرو بن كلثوم التغلبي:
هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب ويُكنَّى بـ “أبي الأسود”، وهو من قبيلة بني تغلب، ولد في عام 584 م، وتربَّى على يد والدته ليلى بنت المهلهل التي علَّمته المروءة والكرامة والكبرياء مما جعله بمثابة السيد لقومه منذ صغره. عُرِف بأنه شاعر القصيدة الواحدة لأن قصائده لا تخرج عن موضوعها، ولقِّب بـ ((المغوار الفتّاك)) لفتكه بالملك عمرو بن هند، وحصل ذلك بعد دعوة الملك لكلٍّ من ابن كلثوم ووالدته ثم إذلال والدة الملك لوالدة الشاعر مما أشعل نيران الغضب لدى ابن كلثوم ليقوم بقتل الملك بسيفه في الحال، و هذا ماجسَّده في معلقته التي تُعدُّ مفخرةً من مفاخر الشعر العربي لاعتمادها على المبالغة بالاعتزاز بالنفس والتفاخر بالنسب والقبيلة، وقد بدأت معلقة عمرو بن كلثوم بالوقوف على الأطلال كعادة الشعراء الجاهليين في قصائدهم لكنّه تميز عنهم بطلب الصبوح وكأنّه أراد أن يُغيِّبَ فكرة الفراق، ومطلعها:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا
وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا

المعلقة السادسة لعنترة بن شداد العبسي:
هو عنترة بن شداد بن قراد العبسي، ولد في ما يقارب عام 525 م، وعاش حياة عبودية قاسية وتجرَّع من علقم العيش دون رحمة؛ لأن أباه لم يلحقه بنسبه بل وكان سيده يعاقبه بشتى أنواع التعذيب بحجة أنه حبشيٌّ أسود البشرة، وما زاد من معاناته وقوعه في حب ابنة عمه فاطمة التي رفض عمه تزوجيه إياها لكونه عبداً أسود اللون لا يحمل نسباً. هذا ما خلق في عنترة نزعة ثأر على كل ما حلَّ به من ظلم، وظهر من رحم معاناته فغدا شاعراً فارساً مقداماً، من أعز العرب نفساً وأحسنهم شيماً، جمع بين قوة الشخصية ورقَّة القلب وهذا ما نراه في غزله العذري المتناهي في العذوبة. وبالنظر لمعلقته نجد تفصيلاً للأحداث ووصفها ببلاغة وفصاحة حيث تنوعت أغراضها بين غزل ووصف، حماسة وفخر. وقد غدتْ قصتُها ملحمة تاريخية، وتغنَّت الأجيال بقصة الحب المستحيلة بين عنترة و عبلة، وقد بلغ عدد أبيات المعلقة تسع وسبعون بيتاً، ومطلعها:
هل غَادرَ الشُّعَراءُ من مَتَرَدَّمِ
أم هل عَرَفَتْ الدارَ بعدَ تَوَهُّمِ

المعلقة السابعة للحارث بن حلزة اليشكري:
هو من عظماء قبيلة بكر بن وائل من بادية العراق، لم يُحَدد تاريخ ميلاده بدقة لكن المصادر تتفق بكونه أحد المعمِّرين في عصره وكان مثالاً للرجل الرصين الحكيم، اشتهر بشدة فخره بقومه ونسبه حتى صار مَضرباً للمثل في الافتخار، فقيل: أفخر من الحارث بن حلزة، عانى الحارث طوال حياته من مرض البرص، ومرضه كان السبب في امتناعه عن المناظرات الشعرية التي كانت تجري، وخصوصاً التي يلتقي بها الملوك، و امتنع عن تمثيل قبيلته لشدة خجله من مرضه، فمثّل قبيلته شاعر مغرور لم يحسن خطاب الملك عمرو بن هند فأثار غضبه وأمر بطرده، وبعد هذه الحادثة تأثر الشاعر وظهر حسُّه الإبداعي وارتجل معلقته الشهيرة التي نالت إعجاب الملك، والتي تميزت بكونها تدور حول موضوع الدفاع عن القبيلة والمدح للملك بعيداً عن الزخارف اللفظية والصور البلاغية، وهذا ما جعلها تأخذ منحى مختلف عن بقية المعلقات، ومطلعها:
آذَنَتْنا ببَيْنهِا أَسْمَــاءُ
ربَّ ثَـاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ اُلْثَّوَاءُ

وختاماً بعد رحلة عميقة في مُطوَّلات العصر الذهبي نجد أنفسنا أمام أعمال أدبية خالدة بلغة فخمة التراكيب، وتدوين للتاريخ بأغراض وصور صادقة في التعبير، وفصاحة في اللغة نعجز عن تفسيرها إلى يومنا هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى