ثقافة

كافكا: عاشق حقيقيّ أم مجرد فيلسوف مضطرب

كافكا: عاشق حقيقيّ أم مجرد فيلسوف مضطرب

صفاء حميد- اليمامة الجديدة

لم ينشأ فرانز كافكا نشأة صحية، فقد ولد لأسرة الوالد فيها وهو رجل أعمال يدعى هيرمان كافكا كان معروفاً بأنه قاس وطاغية، وفي الوقت الذي أظهر فيه كافكا ميلاً أدبياً، أظهر والده رفضاً لهذا، فكانت هذه النقطة مرحلة انفجار الصراع بينهما، وواحدة من النقاط المحورية في تشكيل شخصية كافكا الميالة للسوداوية والقلق.

لاحقاً كتب كافكا رسالة إلى والده، سطّر فيها كل مشاعره نحوه من عتب وحزن وخيبة أمل وانكسار، وهي رسالة لم يجرؤ كافكا أبداً على نشرها.

كافكا الذي ولِد لأبٍ قاسٍ ولعائلةٍ تشكية يهودية، في وقت كان اليهود فيه يعانون اضطهاداً ورفضاً شبه كامل في سائر أوروبا، أظهر ميلاً أدبياً واضحاً، لكنه ليس ميلاً عادياً بالتأكيد مع كل العوامل المحيطة به، فقد صار كافكا رائد ما عرف بالكتابة الكابوسية العبثية، فمن رواية المسخ التي تحكي قصة رجل استيقظ ليجد نفسه وقد تحول إلى صرصار، إلى رواية المحاكمة التي تحكي قصة رجل تم القبض عليه ومحاكمته في تهمة لم يعرفها ولم توضحها الرواية أبداً.

هذا ما غلب على مشاعر كافكا في كتابته العبث والعبء الوجوديّ، والقلق المزمن، الذي ربما ساهم في مضاعفته كذلك الحالة الصحية التي كان يعاني منها والتي أجبرته على المكوث في المستشفب ردحاً من الزمن.

على الجانب الآخر، نرى الوجه الآخر لكافكا، وهو وجه يبدو مختلفاً للوهلة الأولى، وجه عاشق لوعه الشوق والحسرة على فراق محبوبته، وجه كاتب يسرّي عن نفسه بكتابة رسائل الهيام والحب لحبيبة مستحيلة.

لكن نظرة متعمقة إلى علاقات كافكا العاطفية، تفضح حقيقة أنت لم يكن عاشقاً عادياً، بل فيلسوفاً عاشقاً يسكنه الاضطراب والقلق والخوف طيلة الوقت.

فمن خطبتين فاشلتين، إلى علاقة حبٍ مستحيلة بسيدة متزوجة تقطن في بلد ثانٍ وتنحدر من عائلة معادية للسامية، يتضح لنا أن كافكا ربما كان يبحث في الحبّ عن مخرج لأزماته النفسية، عن مسكّن لآلامه الوجودية أكثر من بحثه عن الحب بذاته.

فبعد نشر رسائله الكثيرة لميلينا يسينسيكايا وهي سيدة متزوجة كانت تعمل صحفية ومترجمة، قادها القدر إلى ترجمة نص من نصوص كافكا كان تو فاتحة علاقة نشأت بينهما عن طريق الرسائل ثم عن طريق لقاءات قليلة تكاد لا تُذكر.

تبادل كافكا وميلينا الرسائل لمدة أزيد من ثلاث سنوات، وهي رسائل نملك جزءاً منها فقط وهو الجزء المرسل من جانب كافكا، حيث ضاع الجزء الخاص بميلينا ولم ينشر أبداً.

ويمكن بنظرة متمعنة في هذه الرسائل أن نلحظ أن كافكا كان يعامل علاقته بميلينا معاملة السبب الوجودي، فهو لم يكن واقعاً في حب ميلينا نفسها، بل في حب وجود ميلينا في حياته.

رسائله بشكل عام لم تكن تشتمل على الكثير من عبارات الحب، بقدر اشتمالها على تفاصيل الحياة اليومية لفرانز كافكا، ومطالبات لميلينا بأن تبادله تفاصيل حياتها اليومية كذلك.

في جانب منها كانت علاقات كافكا العاطفية بحثاً عن معنى ما ولجوءاً إلى الحب في سبيل الحصول على مبررات للاستمرار، وهذا قد يفسره عدم استمراره في خطبتين كانت إحداهما على الأقل رسمية، وكذلك وقوعه في حب سيدة يعدّ الوصول إليها مستحيلاً خاصة وأنها لم تبدِ على الأقل فيما نعرف أي رغبة في التنازل عن زواجها لصالح كافكا، ولم يُبد هو كذلك أي توجه لمطالباتها بذلك.

على الجانب الآخر كانت حاجة كافكا للرفقة واحدة من الأسباب التي دفعته لخوض مثل هذه العلاقات.

باعتقادي الشخصي إن أقل ما اشتملت عليه علاقات الحب الخاصة بكافكا هو الحب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى