ثقافة

كلمات تبحث عن معنى

كلمات تبحث عن معنى

بقلم: خالد جهاد 

تحمل الكلمات في ثناياها معنىً أعمق مما تبدو عليه، ولكننا اعتدنا على الدوام أن لا نلقي بالاً لذلك حتى تراكمت المشاعر في صدورنا دون أن ندري كيف ولماذا كالثلوج التي تتراكم أمام البيوت فتمنع أصحابها من مغادرتها، رغم حرص الكثيرين على انتقاء مفرداتهم بسبب حالة الترصد التي يعيشها المجتمع وتفسر الكلمات كما يحلو لها، فتصيب التلقائية في مقتل وتجعل أبسط طقوس حياتنا أشبه بعمليات ٍ حسابية لغياب العفوية عنها رغم ادعائها عكس ذلك طيلة الوقت..

فالكثير من المصطلحات التي اعتدنا إطلاقها على أنفسنا هي مصطلحات غير دقيقة وتبدو ذات أثرٍ تخديري يغيب وعي الناس ويبعدهم عن معرفة حقيقتهم وواقعهم بغية تحسينه، كالجملة التي تتردد في وسائل الإعلام كلما طرأ حدثٌ ضخم في أي بلد عربي لوصف رد فعل الجماهير فيصفوننا بال(الشعوب العاطفية) وهو وصفٌ غير دقيق، لأننا إذا صارحنا أنفسنا سنعرف أن العاطفة غائبةٌ عن حياتنا منذ عقود ووصلنا إلى مرحلة ٍأقرب إلى التصحر، ونرى ذلك بوضوح من خلال العلاقات الأسرية داخل البيت الواحد وتدهور الروابط العائلية بين الأقارب وتراجع قيمة الصداقة وحالة اللامبالاة التي أصبحت ظاهرة ً عامة، ويمكن دراستها جميعاً إلى جانب ظواهر أخرى تتعلق بإرتفاع نسبة الجريمة ونوعيتها وطريقة تنفيذها عدا عن العنف في التعامل مع الآخرين أو حتى الحيوانات، أو حالة التشفي والغضب والكبت والإحتقان والتعدي على الخصوصية التي نراها في السلوكيات والتعليقات عبر صفحات مواقع التواصل الإجتماعي على أي حدث أو معتقد أو فكرة أو شخصية عامة، فلا يمكن أن ترتبط هذه التصرفات بأشخاصٍ (عاطفيين)، ولربما كان الوصف الأدق هو أننا شعوب (انفعالية) تغضب لفترة قصيرة تفرغ فيها انفعالاتها واحباطاتها المتراكمة ثم تنسى لتنشغل بشيءٍ مختلف في حالة بحث مستمر عن النسيان..

كما أن استخدامنا لكلمات ذات دلالة عاطفية توحي بالقرب مع أشخاص لا يحملون بالفعل تلك الصفة، وطبيعة علاقتنا بهم لا تؤهلهم لنيل تلك الألقاب مثل (أخ، صديق، حبيب، عزيز، أستاذ) هي واحدةٌ من أكبر المشكلات وأكثرها شيوعاً (والتي يقع أغلبنا فيها أحياناً)، لأنها تساهم في تعزيز واقع غير حقيقي وتساهم في تسطيح المعاني السامية لتلك الكلمات وتفريغها من مضمونها عندما تطلق على من لا يستحقها، لنفاجأ لاحقاً عندما تصادفنا أزمةٌ ما بأن هؤلاء (المقربين) لا وجود لهم فعلاً وأن تلك الصفات التي أطلقناها عليهم اختفت بسهولة كإختفاء أصحابها..

وينسحب ذلك على المبالغة في ردود الفعل ووصف الأشياء أو سرد المواقف سواءاً كان ذلك بالسلب أو الإيجاب مما يعطي انطباعاً عن شعوبنا أنها لا تجيد سوى الكلام دون تفكير، ولكن من ناحية ٍ أخرى لا ندرك أن الكثير من كلماتنا يحمل تشخيصاً حرفياً لآلامنا ويشبه مزيجاً من التشخيص العضوي والنفسي لمشكلاتنا، فعبارات نستخدمها في ثقافتنا الشعبية مثل (فراق الحبيب يكسر القلب، وفاة الأم تكسر الظهر) والتي يوجد الكثير من الألفاظ المشابهة لها، وتعبر عن شعورٍ بالحزن والألم النفسي نتيجة فقدان شخصٍ عزيز أو حدثٍ مؤلم تشير فعلاً إلى مشاعر لها اتصال فعلي بمشاكل جسدية أو أمراض أو آلام تتكون كنتيجة وردة فعل للجسم على ألم نفسي عميق قد يصيب القلب أو أي عضو، مما يؤكد على أننا نتأثر بكلماتنا بشكل ٍ مباشر وأنها كثيراً ما تكون مرآةً صادقة لما نحس به..

وكما كانت الكلمات عبر التاريخ سبباً في كبوة ٍ أو دافعاً إلى نهضة، يمكنها أن تغير واقعنا اليوم إذا تعاملنا معها بجديةٍ وبإحساس وبقدرٍ من الإلتزام والإحترام المقترن بالصدق والعمل، فعندما تزيد الهوة بين الكلمة والفعل، وعندما تبعد المسافة بين القلب واللسان يتعذر التغيير ونصغر في أعين الآخرين ونصغر أمام أنفسنا، وكلٌ منا يعرف في قرارة نفسه صدى كلمته لدى الناس فلا فضل لكلمةٍ بلا معنىً أو شعورٍ، ولا فضل لكلمةٍ لا يصدقها العدو قبل أن يصدقها الصديق..

زر الذهاب إلى الأعلى