نصوص

ماذا نفعل في أوقات الحرب؟


ماذا نفعل في أوقات الحرب؟

بقلم: هاشم شلولة/ غزة 

ربما لاشيء. ولكننا نفعل أشياء كثيرة إلى جانب هذا اللاشيء مثل أننا لا ننام، وإذا فعلنا فإننا نغمض العيون، والأعصاب يقظة، ولمدة تتجاوز مدة قتل إنسان أو عائلة أو انهيار منزل.. وخلال نومتنا نسأل: هل كانت الضحية سهلةً لحدٍّ تموت فيه وهي نائمة قبل قصف بيتها؟

نثرثر، نتوقع، نهتز.. نتصل بمن نحبهم رغم تضاؤلهم بفعل الحرب. متابعة الأخبار تمتد على ساحل اللاشيء منذ البداية حتى النهاية.. نُطعم قططنا، ونسأل: هل تناولت الضحية وجبةَ عشائها قبل قصف بيتها؟

نحاول ألّا نأخذ خوفنا على محمل الجد حتى لا نموت ميتة الخائف، كأننا نؤجّل موتنا للطائرة.. مثلنا كمثل الذي يفضّل وجبةً على أخرى. نلعب الورق، ونسأل: هل كانت الضحية تجيد لعبة الورق قبل قصف بيتها؟

نجتمع جميعا في نفس المكان، ونلمس رؤوس أطفالنا مهدئين من روعهم، وفي ذات اللحظة، يدٌ على رأس الطفل، وعينُ أخٍ أكبر تقابل عينَ أخية قلقةً، يسأل هذا التقابل: هل كان للضحية وأختها عيون قلقة كعيوننا قبل قصف بيتها؟

 

تعمم الأم على الأبناء “افتحوا الشبابيك قليلًا خشيةَ تكسُّر الزجاج” يركضُ الأبناء كأنَّ كهرباء في جلودهم؛ ليفتحوا الشبابيك فتحتها الصحيحة والمعتادة، ويفتحوا إلى جانبها قلوبهم باستعداد لأي خبرٍ ربما يحرقها بعد قليل، ويسألون: هل فتحت الضحية شبابيكها لترى موتها المقبل نحوها فخورا قبل قصف بيتها؟

 

نحاول أن نكون خفيفين، كأنَّ نبتكر قصصا خيالية تخص النجاة، أو افتراضات لا تشبه واقع الحرب الأعمى، تتلخص في عبارات مثل: “لا يوجد في منطقتنا مواقع عسكرية” أيضًا: “نحن في منطقة مأهولة” “نحن لا نشبه الحرب” “أهالينا ليسوا مقاومة” إلخ.. ونسأل: شأنُ الضحية شأننا فهل كلّمت نفسها كذلك قبل قصف بيتها؟

 

لا نخرج من البيوت، نقف على أبوابها مترقبين، وفي خضمّ وقوفنا الخائف بالباب نقول لبعضنا: “لا تتجمعوا أمام الباب، الطائرة لديها حساسية من هذه التجمّعات” فنقهر شعورًا بالعزلة عن الأحداث تُحدثه فينا فكرةُ الدخول إلى البيت خشية التجمعات، ونسأل: هل كانت الضحية حريصةً مثلنا أثناء وقوفها بالباب قبل قصف بيتها؟

 

خلال حالة الأُنس التي نقوم بها بعد الدخول إلى البيت، نبدأ بالحديث عن عدد الموتى، عن الركام، عن القيامة، عن كيف يصير الإنسان رخيصًا إلى هذه الدرجة! وعن ثمنه في بلاد تصدّق روايتهم وتُنكرنا.. عن الفرق بين موتنا وموتهم، عن قضاء وقتنا ووقتهم، عن محتوى حديثنا تحت الزرقة وحديثهم في الملاجئ الآمنة.. هل يتشابه؟ هل يبكون مثلنا؟ هل عندهم ما عندنا من عبث ولامبالاة تجاه الموت؟ ليس لأنَّ الموت هينٌ علينا، بل لأنّه تقادم وصار أليفا.. نتساءل عن نفسية الجندي الذي في الطائرة؟ هل يتخيل بيته وأهله والمنزل ينهار عليهم؟ هل يتردد؟ هل يخاطره الدم؟ وكيف هي علاقته مع موضع نومه؟. نتحدث عن حياتنا ومشاريعنا بعد الحرب، ونسأل:

هل كان لدى الضحية أملٌ مثلنا قبل قصف بيتها؟

زر الذهاب إلى الأعلى