ثقافة

مراجعة في رواية “أنا يوسف” للروائي أيمن العتوم

مراجعة في رواية “أنا يوسف” للروائي أيمن العتوم

بقلم: نورا إسماعيل

أعتقد أنَّ رواية “أنا يوسف” ليست مجرد كتابٍ عابرٍ يقرؤه من مَلك نهم القراءة أو من اعتاد مجالسة الكتاب، كان الكتاب بمثابة اليد الحانية التي ربتت على كتفي طوال فترة قراءتي وبعدها..

أعترف أنَّ الأمر مختلفٌ جداً عن كل ما قرأت قبلها من روايات للدكتور أيمن أو غيره من الروائيين، إنها رسالة الله لي، لا شك أنها إشارته الربانية سبحانه، أرسلها إليّ في توقيتٍ مميز، في الفترة التي شعرت فيها بالظلمة والإطباق على صدري، والانشلاع في قلبي، والانفلات من كل ما يخص البشر وأشيائهم، أذكر أنها أُهدتْ إليَّ من صديقةٍ عزيزة علمت بحبِّي الكبير لكل ما يكتب الدكتور أيمن العتوم، وأذكر أني كنتُ أبكي قبلها وعيناي من شدةِ ما بكيت امتلئت حمرة ودمعاً ساخناً، كان جوفي فارغاً وشعرتُ أن دمي متيبساً في عروقي ورأيت الليل في وضح النهار والغيم الأسود الكثيف في أيام الصيف الحارة.. حتى وصل الكتابُ يدي، فأُنبت فيها الزهر ورُوي الظمأ في روحي.. وأُعيد سير الدم في عروق وجهي حتى أزهر، عمل كتابه بقوة السحر.. حتى أكملت يومي بعد استلامه بكل إشراقٍ وحضور، وهذا كله قبل أن اقرأ منه كلمة واحدة.

إنها الرسالة الأوضح التي أحصل عليها من خالق هذا الكون البديع، رّبت الكتاب على كتفي كما لو أني طفله الرضيع، وأزهر أغصان قلبي كما لو أنه أرضه الجدباء، وأعاد النور لعينيَّ كما لو أنه طبيبهما المداوي..

جعلتُ “أنا يوسف” رفيقي الدائم، كحارسي الشخصي جعلته يلازم حقيبتي أنى ذهبت، كنتُ أخاف أن أُنهي قراءته وأعود لما كان فيَّ قبل أن يقع بين يديّ.

أمر هذا الكتاب جعلني أرتعش، أخاف.. إنها الهدية الالهية على هيئة كتابٍ بصفحاتٍ قليلة مهداً إليّ بواسطة بشر، كيف أتركها تسير كما أي شيء؟ كيف أُعامل هذا الكتاب كسائر كتبي وأنا أستشعر رسائل الله فيه؟ كيف أترك أمراً كهذا يمر داخلي كأي حدثٍ دنيوي عابر؟!

لطالما شعرت بقرب الله ورحمته التي تحيط بنا من كل جانب دون أن نشعر أو ندرك حقيقة ما نحن عليه عند خالقنا.

الأحداث التي جاءت بها الرواية ليست بغريبة علينا إذ إن قرآننا الكريم حدثنا بها، وهذا معقد الحديث كله.. عقلي يدخل بصراعٍ طويل.. يباغتني التفكير، كيف يكون عليّ كل هذا التأثير مع أني على علمٍ بأحداث الكتاب.. وكتب كثيرة لم أكن أعلم فيها حدثاً واحداً لم تفعل في نفسي ما فعله كتابٌ واحد..

إنّي وصلت، وإذا ما تعمقت، فيما حدث مع رسول الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام، أجد ضالتي وأجد الراحة والاطمئنان لقلبي الضائع في معتركات أيامي وأحداثي الصغيرة التي لا تكون بمساواة نقطة ماءٍ ببحر أحداث يعقوب وابناءه..

إنَّ الله جل في علاه قادراً على بدء نبوة يوسف دون كل العذابات التي لاقاها والويلات التي لزمته ولزمت بني إسرائيل كلهم.. دون أن يُزج به في الجبّ العميق، أو يُكسر عوده بيد إخوته، أو أن يُباع كعبدٍ ذليل، أو أن يشترى في الأسواق كالسلعة، أو أن يسجن بذنب حسنه، إنّ الله أعظم من أن يعذب عباده، فما بالك لو كان عبده نبيه، لو كان مرسلاً من عنده، لو كان رسالته، وكلمته، ونوره في أرضه، وخيره المقسوم في أرجاء مصر والشام وشعب الأرض جميعاً.

صنيع الله لا يكون عبثاً أبداً، لابد من حكمة كبيرة وراء كل ما حدث لأنبياء الله من سلالة إبراهيم عليه السلام وغيرهم.

الله لا يترك عبده رغم تعاقب العقبات عليه، واشتداد الألم بجسده والثقوب في قلبه. الله يبتلينا لأنه يحبنا ولولا هذا لما كان ابتلاؤه لأنبيائه جميعاً، إن الله يطهرنا بأعمالنا من أعمالنا حتى نعود إليه أنقياء لا تشوبنا شائبة، إنّ الله يعامل عباده المؤمنين كالأنبياء يبتليهم، ثم يعينهم على بلائهم ثم يرسل اليهم رسالاته على هيئاتٍ مختلفة، ليس على المؤمن في هذا غير الصبر معتبراً بذلك من يعقوب الشيخ الكبير الذي فقد بصره وإذا بالله يرده اليه مع أبناءه ومع تحقق رؤية النبوة ودخول مصر وتوحيد الله الذي لا اله الا هو، كل هذا جاء مرة واحدة وهذا إشارةً أخرى أن فرج الله إذا جاء يأتِ مضاعفاً وأكثر مما يتوقعه عقل الإنسان القاصر.

أعتقد أني سأعيد قراءة هذا الكتاب النوراني، الشافي… وأعتقد أني سأشعر به وأبكي وأتنهد مع كل صفحة فيه وكل حرف من حروفه كما حدث في أول مرة تماماً!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى