ثقافة

مراجعة في رواية خرائط التيه: حيدر الغزالي

مراجعة في رواية خرائط التيه
للكاتبة/ بثينة العيسى

“للتيهِ خرائطٌ أيضاً، تضيعُ في ملامحِه الجامدة، و تثيرك المأساة، خرائط دون وجهة غيرَ الوجع..!”


من أين استلهمت بثينة العيسى روايتَها هذه؟، و كم من أنينٍ مرت به لتكتب هذه المأساة و تجزم أنَّ كلَّنا نعيشُ في مدينة التيه؟، تلك المدينة التي رسمت شوارعَها من شتات، ومنازلَها من اشتياق مفرط.

قبل القراءة:

لا شكَّ أن غلافَ الكتاب هو السبيل الأول لأن يضع الكتابُ نفسَه تحتَ أعينِ القرّاء وبينَ أيديهم، وإنَّ في رواية خرائط التيه التي تزيّنت غلافها بخريطة البحر الأحمر بخطوطه الملونة، إذ أنَّ أحداثَ الرواية تقع في هذه البقعة الجغرافية ما بين السعودية و سيناء، و إن أكثر ما يجذب القارئ هو عنوان الرواية، الذي وُفقت العيسى في اقتنائه لروايتها، إذ أنه يثيرُ القارئ لتساؤلات عديدة، فكيف يكون للتيه خرائط؟ كيف لو أنها مدينة لها سكانها و أحلامها و أيامها، لكنني في خضم قراءتي عرفتُ أنَّ للتيه خرائط أيضاً، تضيع في ملامحه الجامدة، وتثيرك المأساة، خرائط دون وجهة غير الوجع..!

بعد القراءة:

كيف لبثينة العيسى أن تجمعَ كلَّ هذا الأنين في روايةٍ واحدة إذ أنها احتاجت 405 صفحة كي تخلق لنا معاناة بحبكةٍ محكمةِ الصياغة و البناء، بأحداثِها المتتابعة الشيقة، أي أن العيسى نجحت نجاحاً لافتاً باستطاعتها أخذ القارئ إلى المنطقة التي تريد، و هذا يعدُّ من أحدِ الأسباب التي تجعل الرواية تحيي اسم كاتبها لسنوات عديدة..

رواية من رحم الواقع، التي نندب حظَّنا في كونها واقعاً نعيشه، الأمومةُ التي أحياناً يغريها الفراقُ إلى الموت، والموتُ حينما يكون هيّنا فوقَ سيل الجروح الدامية..

وامتازت الرواية برصانة اللغة، بجماليتها التي تمثلت في رسمِ الحدث في مخيلة القارئ، لم تكتفِ بهذا فقط، بل حرّضته لأن يعيش الحالةَ الشعورية التي تمر بها شخصيات الرواية.

سمية، مشاري، فيصل شخصيات رئيسة، تمحورت حولها الأحداث بتعاقب، تسيرُ على سكة المعقول، هذا يدل على تمهل الكاتبة في الكتابة، لِأَن تبني لنا مدينتَها
بكل اتقان..

تمتعت الرواية بالمرونة، و ذلك لأنها كما قلت من رحم الواقع، إذ أنها لا تحتمل اللاوقعية، و الخرافة، و إن من أهم محاور المرونة تلك، مرونة الجغرافيا عند الكاتبة، كيف لا؟ و كانت الأحداث تسير في خط جغرافي ممنهج، مكة، البحر الأحمر، سيناء، العودة إلى جنوب السعودية.

وإن ما ميّز هذه الرواية، هو تحديد المكان و الساعة و اليوم في كل جزء من كل فصل، كأن الرواية هي مرآة لحدث حقيقي، بيد أنه كُتبَ في أول الرواية.

“هذه الرواية هي من وحيِ الخيال، و أيُّ تشابهٍ، أو تطابقٍ، بينها و بين الواقع.. فهُوَ من قبيلِ سوءِ الحظِّ، ليس لكاتبتها و حسب، بل للعالم كلّه”

خاتمة:

إن هذه الرواية جعلتني أربط أسماءَ مكة و سيناء بها، إنها رواية لا تُنسى، رواية تجلس متربعةً في ذاكرتك، تذكركَ دائماً أننا كلنا في هذا العالم، نعيش في مدينةٍ للتيه..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى