مجتمع

معركة الأمعاء الخاوية: منذ متى وحتى متى؟ 

معركة الأمعاء الخاوية: منذ متى وحتى متى؟ 

صفاء حميد 

في غرفة تكاد جدرانها لفرط الضيق أن تنطبق على بعضها، يتسلل شعاع الشمس باهتاً كاعتراف صريح بعجزه عن صنع فارق في حياة الشخص الذي يمكث هنا منذ وقت، لم يعد قادراً على إحصائه.

وفي غمرة التنبُّه من العتمة الليلية الخانقة بظهور الصباح البعيد، يحسم هذا الماكث الصامت هنا قراره المطهو على مهل طوال أيامٍ فائتة.

يدفع السجّانون بوجبات الطعام الضئيلة عبر أبواب الزنازين، فيُرجع الأسير آنف الذكر وجبته، ويقول معلناً قراره: أنا مضرب عن الطعام.

يضرب الأسير أياماً و ليالي عديدة، يدفع مع كل يوم يمضي مطالباته التي يبتغيها من وراء هذا الإضراب، يرفع صوته بإخماد إحدى حاجاته الأساسية، حاجة الغذاء والماء، يتحدى جسده كجزء من تحدي جلاده ويضغط على نفسه كجزء من ضغطه على جلاده.

منذ متى وحتى متى؟

على مدار التاريخ وحوادثه لم تتوقف معركة السلطة والناس يوماً، وقد اجتهد الطرفان في ابتكار أساليب جديدة لتعزيز السيطرة أو دفعها بعيداً، وكان أحد هذه الأساليب هو الإضراب عن الطعام؛ حيث يُعد الإضراب عن الطعام أحد أبرز أشكال الاحتجاجات السلمية على ظروف أو قوانين أو أحوال سياسية أو اجتماعية.

وقد برزت الإضرابات في أماكن كثيرة في العالم وفي مواقف متنوعة، من الاحتجاج على ظروف المرأة والمطالبات بحقها في الاقتراع كإضراب البريطانية ماري دنلوب عام 1909، والاحتجاج على الاستعمار كإضرابات المهاتما غاندي المتكررة ضد الحكم البريطاني في الهند، وكذلك سلسلة من الإضرابات الإيرلندية في فترة الحرب الإنجليزية- الإيرلندية بدايات القرن المنصرم.

نشأ الإضراب أساساً بغرض جذب انتباه الناس إلى حالة من الجَوْر والظلم تحصل في بقعةٍ معينة من العالم، بحيث يشكِّل العالم جماعة ضغط كبيرة أو جماعات ضغط أصغر حجماً للتأثير في أصحاب السلطة لرفع الجور والظلم الواقعين على القائمين بالإضرابات.

والجدير بالذكر هنا أن الإضرابات لم تُقابلْ دائماً بوجهٍ حسن، فالكثير منها قوبِل بالقمع أو بالتطرف إلى الإطعام القصري للمضربين، والذي من المعروف أنه قد يسبب الوفاة، كما لم تتم الاستجابة لكثير منها مما أسفر عن وفاة المضربين نتيجة تدهور صحتهم، بينما كانت نتيجة بعض الإضرابات نسبية بحيث نال أصحابها إفراجاً مشروطاً، أو حصلوا على خروج مؤقت من السجن لحين تحسن حالتهم الصحية المتدهورة نتيجة الإضراب.

أما بعض الإضرابات فقد آتت أُكُلَها، وهذا بشكل ما نابع من ثنائية الجلاد والبطل التي تمقتها السلطة وتفضل عليها  ثنائية الجلاد والضحية، و بهذا فهي لا تقبل بأن تمهِّد للسجين طريق البطولة عن طريق إهمال إضرابه وتركه ليموت جوعاً في سجونها.

وإضافةً إلى هذا فقد ساهم في مساعدة الإضرابات على تحقيق مبتغاها، تنبُّه العالم إلى أمرها، بالإضافة إلى تطوير المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

في النصف الثاني من القرن المنصرم، بدأت الإضرابات بالتحول إلى ممارسات احتجاجية جادَّة وجماعية أكثر من كونها مجرد احتجاج فردي على أوضاع جماعية.

ولو تحركنا في محيطنا في تلك الفترة لوجدنا أنَّ أهم الإضرابات كانت للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني.

حيث كان أول إضراب جماعي عن الطعام للأسرى هو إضراب سجن الرملة في شهر شباط عام 1968، بهدف تحسين الظروف في السجن والمطالبة بإدخال بعض المواد الأساسية للسجن.

توالت بعدها الإضرابات في معظم السجون الإسرائيلية، حيث لم يكد يمر وقت بلا إضراب على مدار سنوات كثيرة تلت عام 1968.

أما أشهر هذه الإضرابات، فهو إضراب عام 2012، حيث دخل أكثر من 1500 أسير في إضراب شامل عن الطعام وقد استمر هذا الإضراب 28 يوماً، لم يسلم الأسرى خلالها من العنف والقمع ومحاولات كسر الإضراب، غير أنَّ كل المحاولات فشلت وانتهى الأمر بنجاح هذا الإضراب وتحقيق مطالبه التي كان من بينها: إلغاء قانون شاليط، والذي فرض بعد اعتقال الجندي الإسرائيلي في غزة، ويقضي بمنع الأسرى من كل ما منع منه شاليط، كشكل من أشكال العقاب الجماعي الضاغط لهم وللمقاومة.

لم يتوقف هذا الاحتجاج السلمي في العالم على مدار التاريخ، هذه المعركة التي تعمل على جبهتين، جبهة الجسد و جبهة العدو، لا تزال مستمرة، حيث يخوض أسرى جدد إضرابات عن الطعام هنا وهناك كل فترة، خاصةً في السجون الإسرائيلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى