مقالات رئيس التحرير

موت الشِّعر وأزمة المجتمع 

موت الشِّعر وأزمة المجتمع

بقلم: جواد العقاد/ رئيس التحرير 

مقولة “موت الشِّعر” ثرية ومهمة جداً؛ لأنها تفتح نقاشاً جاداً في الشِّعر العربي وأزمته الراهنة، وأكادُ أؤمن بها لولا إيماني العميق بالشِّعر من خلال تجربتي الشخصية، فقد حسبتُ غير مرة أن الشِّعر يموت أو ينضب، ولكن الإخلاص له، وإعادة النظر في قضاياه وعناصره كلها، ودوره الفكري والثقافي من خلال أنساقه المضمرة، ردَّ عليَّ إيماني. فإنكَ، بالتأكيد، ستقرأ شيئاً مختلفاً، تماماً، في تجربة شعريَّة قادمة قد تصل حدَّ التناقض مع تجربتي الأولى (على ذمة عشتار)، لغةً وصورةً ومفهوماً.

نعم، الشِّعر في أزمة شديدة ومُزمِنة، لكنها غير قاتلة. فإن الشعراء المعاصرين الذين أؤمن بهم، مثل: أنور الخطيب، وقلة قليلة معه. هم امتداد أصيل للقرن الماضي، زمن الشِّعر الذهبي في العصر الحديث، مع التسليم بخصوصية التجارب. أزمةٌ لا أحد يستطيع إنكارها. ولكنه لا ولن يموت وإن دخل في غيبوبة. وهذا كله مرتبط، تماماً، بالأزمة الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية…، وتقديس الماضي ونظرته للأشياء والمفاهيم من ضمنها الشِّعر. باختصار، نحن بحاجة ماسة إلى هدم وتقويض ونقض ونقد البناء الفكري والثقافي والاجتماعي الذي نعيش به منذ قرون، ولهذا لا يكفي أن نقف بالتجديد الشعري عند قصيدة التفعلية أو التجديد في القصيدة العمودية، أو الوقوف عند الصراع ما بين “قصيدة النثر” والموروث الشعري؛ لأن هذا يعطل نمو الشِّعر وقدرته الطبيعية على التعبير عن العصر. نحتاج وصف القصيدة بأنها قصيدة القرن الواحد والعشرين، لا قصيدة القرن التاسع، أو حتى القرن العشرين.

نحن العرب، جوهرياً، لم نعش الحداثة -بخيرها وشرها- في الأدب والفكر، ولعل ما أخذناه منها في الشِّعر والنقد هو قشور سرعان ما تأخذها رياح الصحراء العربية؛ لأنها غير أصيلة في الفكر العربي/ الشعر العربي، ولا متجذرة في الوعي الجمعي. فكيف يمكن أن نتجاوز الحداثة- ونحن لا نعرفها!- إلى تجديد شعري حقيقي وفعلي.

ناهيك عن أن الشِّعر الحقيقي لا يُعرف بمدى جماهريته بل إن شعر الجماهير شعر سطحي وساذج ومباشر، غالباً. إن لهذا النوع من الشِّعر قُرّاء لا جماهير، كما يردد أدونيس في معظم كتاباته.

الحل بسيط جداً، لكن حُراس كهنوت الماضي، وهم أساس الوعي الجمعي، لا يريدون الخروج من ثوب العربي المهترئ. فعلينا التجاوز والهدم وإعادة النظر والبناء من أجل استيعاب الحاضر ومتطلباته وبناء المستقبل، فكراً وشعراً وثقافة ومجتمعاً… وهنا أستحضر مقولة في غاية الأهمية لأستاذنا الناقد والمفكر د. زاهر حنني، وهي تقريباً: أنا لا أقبل قصيدة النثر شخصياً، ولكن إن فرضت نفسها فلن يعد رأيي مهماً. هكذا يجب تجاوز الصراع مع الماضي، لبناء حاضر ومستقبل، وفن يعبر عن روحهما.

وخير دليل على كلامي، هذا، وارتباط تراجع الشِّعر بالبنية الفكرية والمجتمعية، هو كلام صديقي الأستاذ طلال بدوان في هذا المضمار ” الشعر هذه الأيام يعاني منافسة أدوات تعبير أخرى معه، وتفوقِها. ما خلد الشعر حتى الآن، وجوده في المناهج الدراسية، والأغاني.. نحن على أعتاب، موت الشعر سريريا، وضعف جماهيريته دليل على ذلك، كما مؤسسة الأسرة أيضا، وحالات الطلاق المرتفعة تدل على ذلك”.

أعتقد أن سبب تهديد مؤسسة الأسرة بالهدم، هو عدم إعادة نظر جوهرية في مفهومها ودور الزوجين، ناهيك عن أزمة المرأة في التصور العربي. ذلك كله بحاجة إلى إعادة صياغة لمفاهيم حياتنا وفق رؤية جديدة معاصرة. إذ إن أغلب مشكلات العرب ترتبط بالعلاقة الجدلية مع التراث وآلية فهمه.

زر الذهاب إلى الأعلى