نصوص

  مَاتَ أبي فَذَبُلَ الصْبَار

مَاتَ أبي فَذَبُلَ الصْبَار

بقلم: ميموني علي/ الجزائر 

في بيتنا نبتة صبار صغيرة. صحيح أنها تبدو خلابة من مسافة بعيدة إلا أني، كرهتها بشدة للألم الذي سببته لي في كل مرة حاولت أن أتمتع بجمالها عندما أعطف عليها بلمسة حانية فتسبب لي جروحًا في كف يدي وأصابعي…

أبي وحده من أحبها دائم الإعتناء بها، كلما أظهرت إنزعاجي منها بادرني بإبتسامته وقال: يا “رائد” صحيح أنها صلبة ومغلفة بالأشواك لكن هذا تمامًا ما يجعلها جميلة في نظري لأنها تحمل داخلها الكثير من الخير المتمثل في: زيتها و ثمارها اللذيذة دون الحديث عن استعمالاتها المفيدة التي لا تعد ولا تحصى…

كانت دائمة الاخضرار إلا أنها اليوم ذابلة بشعة المظهر

حين أراها يظهر “أبي” أمامي أعتقد حقاً أنهما متشابهين بشكل غريب جدًا جدًا. هل يمكن أن يصبح النبات توأمًا لإنسان؟

صارم هو وعصبي غير متسامح أبداً حين يتعلق الأمر بالأخطاء التي يمنعنا من إرتكابها كتفويت وقت الصلاة، إفتعال المشاكل مع الجيران، الدخول المتأخر للبيت، نوع الملابس التي ترتديها أمي وأخواتي، التبذير…..إلخ

في الحقيقة كرهت كثيرًا غضبه المتكرر عليّ خاصةً أني أصبحت كبيرًا، تتغير ملامحي من جيد لسيء حين يفعل ذلك. حتى أنني أفعل عكس ما يقول عنادًا حتى أني أحيانًا أشتمه، وأصنع من شجاري معه الكثير من النكت أرويها لأصدقائي..

فضلت “أمي” عليه فهي لا تدفعني لفعل المهام الصعبة و الكثيرة، دوما تتركني أنام قدر مشيئتي دون أن تزعجني وكلما احتجت للنقود وفرتها لي عكسه هو الذي يفتح لي تحقيقًا حول ما سأفعل بالمال؟ ولماذا أريده؟ ماذا سأشتري؟ وأكثر ما كان يزعجني حين يختم كلامه قائلاً “عليك بالعمل” فأبوك لم يجد المال مفروشا أمامه كي يعطيه لك لتصرفه على أشياء تافهة..

كلما تأخرت عند رفاقي تراهم يحاولون نصحي بالعودة لألا أغضبه فأقول لا تقلقواْ هو ضعيف أمام زوجته أقهقه مردفًا: يخاف منها ولا يستطيع أن يمس شعرة مني لأنها ستهزئه بصراخها..

يضحك الجميع على كلامي فتراني متباهياً أمامهم بعجرفتي…

مر أسبوع على “وفاته” ألج البيت فلا أسمع له صوتًا ولا حركة البيت يسكنه هدوء غريب..

أقول لأمي دون شعور أطفؤو الأنوار سيغضب “السيد فؤاد” بشدة إذا-رآها لا أحد يجيبني.

لماذا البيت مظلم لهذه الدرجة رغم كل الإنارة المضاءة؟

غيابه يجعل البيت معتماً، لم أرى يوماً أمي كئيبة بهذا الشكل كنت أعتقد أنها قوية لكن كلما نظرت لعينيها لاحظت الخوف الشديد الذي يتملكها فأدركت يقينًا

أنه حتى قدرتها الجبارة في مواجهة “المرحوم” بالصراخ كانت تستمدها منه غريب جدا كيف يستمد الإنسان طاقة منك ليواجهك بها؟ سبحان اللّه!

كأن صبار البيت أحس بغياب رفيقه فأختي تعتني به دائمًا ولكن عنايتها به لم تمنع ذبوله..

رأيت صبارة أبي الغالية بالية فتذكرت كلامه عنها وعن قوتها وصبرها تحت حرارة الشمس الحارقة..

لا أستطيع منع عيني من ذرف الدموع فاليوم أدرك تمامًا أنا أبي صبار في حياتي فرغم عصبيته وصراخه لكنه بعد كل ذلك يصالحني بهدية جميلة أو يأخذني للتنزه رفقته قائلاً: يا ولدي أفعل هذا لمصلحتك لأني أريد أن أموت تاركاً خلفي رجلاً يمكن الإعتماد عليه ليعتني بالعائلة بعدي فأنت سندي وقوتي لهذا أشدد عليك بالنصح ولو كان بطرق لا تحبها…

لا شيء يشبه حالتنا بوجودك أيها الغالي ذهبت وأخذت معك لذة الحياة. ذبل الصبار بموتك يا أبي رجاءًا هلا تعود لتعلمني طرق الإهتمام به فأنا أريد أن أستئنس به في غيابك الطويل هذا.

زر الذهاب إلى الأعلى