ثقافةمقالات

هاني منسي في النص كما هو في الواقع.. بقلم: رجب أبو سرية


هاني منسي في النص كما هو في الواقع

بقلم: رجب الطيب أبو سرية/ كاتب فلسطيني 

رغم أن “سنكسار” كانت المجموعة القصصية الأولى التي يقوم بإصدارها القاص هاني منسي, إلا أنها قدمته بشكل جيد, ووشت بظهور قاص مقتدر, ناضج, لا يكتب رغم ولعه بالتجريب, بشكل ساذج أو بدائي, فقد تحققت في المجموعة التي جاءت في خمسة عشر نصا, حملت إحداها عنوان المجموعة, كل عناصر القصة القصيرة الأساسية, وإن بشكل متفاوت, وبالتأكيد ستأتي المجموعات التالية, أكثر قوة وإدهاشا.
وكما هي عادة الكتابات الأولى, خاصة الروائية منها, التي تدور في الفضاء الذاتي, كانت كذلك مجموعة المنسي “سنكسار” , وسنكسار كلمة يونانية الأصل لها مرادف قبطي تعني سيرة الأنباء والقديسين, بذلك كانت المجموعة محاولة من هاني المنسي لتسجيل سيرة شعبية أحاطت به, ولها من الأهمية عنده إلى درجة القداسة على الأقل, وربما لهذا كان صادقا جدا في تقديم الوقائع والشخوص والأحداث.
وغالبا ما تحدّث الراوي بضمير الأنا, وحيث أن كثيرا من التفاصيل وشت بتفاصيل البيئة والحياة التي عاشها الكاتب, خاصة في أسيوط, وحيث درس اللغة الانجليزية في كلية التربية, لذا فيرجح أن يكون الكاتب نفسه هو بطل العديد من قصص المجموعة, فيما كان الراوي/القاص ملتصقا تماما بالشخصيات في القصص الأخرى.
أهم ما يلفت الانتباه في هذه القصص, هو سعي الكاتب الدءوب للتجريب, وتجاوز ما هو تقليدي في الفن القصصي المصري والعربي, لدرجة أن يتناول تجربة الكتابة البيضاء, عبر قصة “شاهد على قبر فارغ”, وقد ظهرت تقنيات جديدة ومدهشة لديه, ظهر بعضها فيما يمكن وصفه بالتتابع, أي كتابة قصة تكمل قصة أخرى سبقتها, كما ظهر في قصتي ” تذكرة غياب, وأم غايب”, كذلك قصتي “شاهد على قبر فارغ, وOnly Me” , ورغم أن الإدهاش كان عاديا, أو انه لم يهتم به كثيرا في معظم قصص المجموعة, إلا أن الإيقاع كان عاليا, فكثير من القصص بدأت بحوار يدل على الحركة والدخول مباشرة في القص, دون تقديم خارجي وصفي.
أما اللغة فقد تخللت الفصحى السردية والتي عادة ما تأتي على لسان الراوي, دارجة مصرية, منح خلالها الكاتب الشخصيات حرية التحدث بلسانها هي, وقد أوحى السرد بهذا الشكل بانغماس القاص في بيئة الصعيد المصري الجميلة للغاية, خاصة حين كان يقدم المفردات والأمثال الشعبية. وبالطبع هو استخدم تكنيك الرسائل في واحدة من القصص, وهي أقل القصص_بتقديري اتقانا_ لخلوها من الحدث, فهي كانت عبارة عن مناقشة ذاتية أو حوارا داخليا, لما قام به بعض الكتاب من كتابة تخلو من الكتابة, وهي تجربة ساذجة للغاية, اعتمدت نشر الورق الأبيض الذي يخلو من الكتابة, لكن التكنيك المدهش هنا, أي في قصة Only Me كان يتمثل في أن القصة كلها دارت حول ذات القاص أو الراوي, حين خاطب الراوي مدحت كاتب قصة “شاهد على قبر فارغ”, ثم ليختمها بتوقيع مدحت نفسه, أي أن الراوي كان يخاطب نفسه أو يحاورها بعد أن جرب تلك الطريقة البيضاء في الكتابة !
أما مضامين القصص فكانت عبارة عن مشاهد يومية من حياة المصريين البسطاء, من الصعيد إلى أحياء القاهرة الشعبية, فيما تخللت المجموعة قصتان أو أكثر تناولتا المفارقات النفسية التي تنطوي عليها شخصيات الطبقة الوسطى, من طبيب نفسي إلى تاجر, إلى ما هنالك.
كذلك استخدم الكاتب تكنيك بريخت في كسر الحاجز بين النص والقاريء, وذلك في قصة كرسي الاعتراف, حيث قال ” نمت بيننا, إيه نمت دي خليها نشأت, ص10, ثم في قوله: مش متأكد من رغما عنها دي ص11. وهذا استخدام مدهش وغير معتاد لدى القصة العربية التقليدية.
باختصار أقول بأن هذه النصوص اعتمدت المفارقة, حيث التقطت مشاهد من المجتمع, فيما التجريب وصل ذروته _ كما أسلفنا_ في قصة غير مكتوبة, فقط عنوانها شاهد على قبر فارغ. كما استخدم الكاتب تكنيك تتابع القصص, مثال قصتا تذكرة غياب وأم غايب, شاهد على قبر فارغ و Only Me, كما أشرنا, فيما كانت قفلة شيزلونج مدهشة حيث انتهت بحيرة الطبيب المعالج النفسي في أن يجلس على أريكة المرضى الذين يعالجهم, أي يكون مريضا, أم على كرسي الطبيب المعالج إلى جوار تلك الأريكة. وكثير من القصص تفتتح بصوت ما, نداء أو حوار , وليس سيناريو, وهذا دليل على الإيقاع والحركة. فيما جاء ترتيب القصص موفقا جدا, حيث قام بالربط بين كل قصة وتاليتها حيث أمكن. فيما جاءت المعلومات المتضمنة بالقصص لتدل على الكاتب, خاصة القصة الأخيرة بالمجموعة, وحيث أني اعرف الكاتب شخصيا من خلال ورشة الزيتون الأدبية, وأراه يمتاز بالدماثة والتلقائية, جاءت قصصه دالة عليه, فكان هاني منسي في النص تماما كما هو في الواقع, دون تزويق أو تزوير أو تحوير.

زر الذهاب إلى الأعلى