أزمة العقل والبحث العلمي عند العرب

أزمة العقل والبحث العلمي عند العرب
جواد العقاد/ رئيس التحرير
في الفترة الأخيرة قرأت باهتمام وجدية العديد من الأبحاث والدراسات والكتب التي ناقشت قضايا فكرية وثقافية تحتمل الجدل والنقاش العلمي، ومنها اتضحت مدى هشاشة الفكر السائد في مجالات المعرفة الإنسانية كافة، بحيث لا يحتمل “المحافظون” أي محاولة لقول شيء جديد، دون التأكد من صحته، بل وللأسف دون الدخول معه في جدل فكري قد يُفضي إلى نتائج، والاعتماد في مواجهة التجديد على خطاب التكفير فيما يخص الدين، والشتائم ذات البريق اللغوي، وكلام عام عاطفي أحياناً يقلل من شأن الموضوع، دون رد الحجة بالحجة ونفض الغبار عن العقل، وفق منهج علمي واضح المعالم.
والله إني قرأت شيئاً من هذا في أبحاث وأوراق يُقال إنها “علمية”، وهي أقرب ما تكون إلى الشتم والقرار المسبق برفض كل شيء، لأن الرفض وترك العقل في خموله وإغلاق باب الجدل العقلي يترك هؤلاء “المحافظين” محافظين على كيانهم الوجودي المتحقق من خلال ما يعتقدون إنه صحيح وحق قطعاً، ولو ثبت النقيض تذهب مكانتهم، هكذا يقررون ضمنياً.
أما أصحاب التجديد والعقل والتنوير فإن حماسهم يدفعهم أحياناً إلى معارك خاسرة، لا يكون ضحيَّة فيها غيرهم، فهم يحاربون طواحين الهواء، بمعنى أن فكرتهم نبيلة ولكنها لا تملك القوة بل إنها لا تملك قوة الحق بعد.
ويا ليتهم يوجهون سهام نقدهم إلى المؤسسة التربوية العربية أولاً وقبل كل شيء، لأن مشكلة العقل أساسها التربية على النقل والحفظ والتلقين وتهميش الفلسفة، والعقلية العربية السلطوية قررت منذ قرون تعطيل العقل وتكفير التفكير خدمةً لمصالح السلطة السياسية، وإلى اليوم العرب تعاني من ترهل العقل المتورط في الخرافات والأجوبة الجاهزة، حتى عن تلك الأسئلة التي لا أجوبة لها!
وأخيراً: أعتقد أن أزمات العرب، قديماً وحديثاً، ناتجة عن تغيب العقل، والقرار النهائي والمطلق من السلطات في كل عصر لاضطهاد محاولات التنوير أفراداً أو جماعات، ودعم سطوة الخُرافة التي تتحول مع الوقت إلى حقيقة مطلقة في اعتقاد الشعوب. وإن الأمثلة على قولي كثيرة وموجودة في كل زمان ومكان أترك أمرها للقارئ يفكر ويتفكر، ويكتب نعوة العرب المؤجلة من قرون!