تاريخ

تل الزعتر.. وقفة تاريخية على بشاعة استباحة الدم الفلسطيني بخنجر العروبة المتكرر

تل الزعتر وقفة تاريخية على بشاعة استباحة الدم الفلسطيني بخنجر العروبة المتكرر

“ويحكــم … دمــي … هذا دمــي … فانتبهوا … لم يــأبهوا” -أمل دنقل

بقلم: هيفاء البرعي/ خاص اليمامة الجديدة 

في البداية من الجدير بالذكر أن وضع الفلسطينيين في لبنان كان سيئاً من كل الجوانب، الدولة اللبنانية أوكلت مهمة الإشراف على الفلسطينيين للاستخبارات العسكرية اللبنانية، ولم تشكل أي وزارة تهتم بإدارة شؤون الفلسطينيين، تركت العناية للصليب الأحمر ومن ثم للأنوروا، بينما اكتفت الاستخبارات اللبنانية بوضع القيود على حياة اللاجئيين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، ومن ضمن هذه القيود أنها حرمتهم من مزاولة 76 مهنة كالطب والهندسة والمحاماة والبنوك، وكانت تعاني من نقص شديد بالخدمات الصحية، كما أنهم منعوا من البناء، وفرض عليهم العيش في بيوت من التنك.

استمرت هذه المعاناة إلى حين ظهور الثورة الفلسطينية في لبنان بعد نجاح عملياتها في الأردن، فبدأ الفلسطينيون بالانضمام الى العمل الفدائي والتمرد على الظلم السياسي من قبل السلطات اللبنانية.

عام ١٩٦٩ حدثت أزمـة بـین الـجیش الـلبنانـي والـقوات المسـلحة الفلسـطینیة الـتي بـدأت تنتشـر فـي لـبنان وتـقوم بـعملیات فـدائـیة ضـد اسـرائـیل، كما أعطت الحرية والأمان للاجئين الفلسطينيين وتطور الوضع بعد ذلك لمـواجـھات عـسكريـة بين الطرفين، مـما جـعل الـعديـد مـن الــدول تــسعى لإيــجاد حــل تمثل في توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 مع منظمة التحرير الفلسطينية الذي أعطى بدوره الشرعية لوجود منظمة التحرير وعمل المقاومة الفلسطينية في لبنان.

أيـدت الحـركـة الـوطـنیة والـقوى الإسـلامـیة في لبنان الاتـفاق، كـما أيـده جمال عـبد الـناصـر الـذي كـان يـحضر ويـخوض حـرب الاسـتنزاف (1967-1970) لتحـريـر سـیناء والحـرب مـع إسـرائـیل، وكـان وجـود الـمقاومـة الفلسـطینیة فـي لـبنان يـعني وجود جـبھة جـديـدة ضـد إسـرائـیل فـي لـبنان مـما يـتفق مـع أھـداف عبد الناصر، إضـافـة لإيـمانـه بـالـحقوق الفلسـطینیة.

كـان الـوضـع فـي لـبنان ضـعیفاً، ولـم تـفلح قـوة الـجیش الـلبنانـي فـي حـسم الـموضـوع، ولـم تـكن المیلشـیات المسـیحیة قـد تـشكلت بـعد، فـرضـي الـوضـع اللبناني بالاتفاقیة، وعندما حصلوا المیلشیات المسيحية على دعم من قیادة الكتائب طالبوا بإلغائه. كما عارضته إسرائيل واعتبرته اختراقا للهدنة المعقودة بين إسرائيل ولبنان عام 1949.

متى تأسس مخيم تل الزعتر

تأسس المخيم عام 1949 بعد مرور عام على النكبة، على مساحة قدرها 56.65 دونم، ويقع ضمن منطقة بيروت الشرقية التي كانت تسيطر عليها الأطراف المسيحية، وكـان يـسكنه حـوالـي 30 ألـف مـنھم 17 ألف مـن الفلسـطینیین والـبقیة من الجنوب اللبناني وسوريا.

وسمي بهذا الاسم بسبب وجود معمل للزعتر في المنطقة.

كان يمتاز المخيم عن غيره من المخيمات بأنه قريب من منطقة صناعية، مما جلب الكثير من فقراء جنوب لبنان ليسكنوا فيه وعملوا بمشاركة الفلسطينيين في المصانع المجاورة.

تعرض العمال الفلسطينيون واللبنانيون لاستغلال وظروف عمل قاسية من أصحاب المصانع، مما أدى لزيادة وعي العمال اللبنانيين الفقراء، وهذا أدى لحدوث تناقض بين أصحاب الامتيازات وبين الجماهير اللبنانية المتعاطفة مع الفلسطينيين خلال الحرب اللبنانية الاهلية.

متى بدأت الحرب

بـدأت فـي ١٣ نـیسان ١٩٧٥ حيث جرت محاولة لاغتيال الـزعـیم الـمارونـي بـیار الجـمیل قـام بــھا مســلّحون وأدّى إلــى مــقتل مــرافــقيه جــوزيــف أبــو عــاصــي وأنــطوان مــیشال الحسـیني، اتهم بها الفلسطينيون وقتل على إثرها 27 فلسطيني من مخيم تل الزعتر في حادثة البوسطة عين الرمانة، اتهم بها حزب الكتائب واعتبرت الشرارة الأولى للحرب.

في 6 ديسمبر 1975 قامت ميليشيا حزب الكتائب والميليشيا المسيحية بقيادة بشير الجميل بمجزرة “السبت الأسود” حيث أقامت نقاط تفتيش في منطقة مرفأ بيروت وقتلت 200 شخص من الفلسطينيين واللبنانيين بناء على  بطاقة الهوية للانتقام بعد العثور على جثث 4 مسيحيين من حزب الكتائب. ونتج عنها انقسام بيروت إلى منطقة شرقية وأغلبها من المسيحيين ومنطقة غربية أغلبها من المسلمين، كانت المنطقة الشرقية محاطة بالمخيمات الفلسطينية، فكانت الميليشات المسيحية تتسلل إليها لتقضي على اللاجئين والمقاومين فيها، ففي 18 يناير1976 قتل ما يزيد عن 1000 شخص قي مذبجة الكرنتيا (المسلخ).

بعد يومين من مذبحة الكرنتيا جاء الرد المشترك من الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية بالهجوم على بلدة الدامور المسيحية وارتكبوا فيها مذبحة قتل فيها المئات.

وكانت نتيجة مذبحة الكرنتيا والدامور بداية لحرب دموية وضعت مخيم تل الزعتر وتجمعات الفلسطينيين والمسلمين اللبنانيين في المنطقة الشرقية في مواجهة الأحزاب المسيحية.

فجاء الرد على مذبحة الدامور بالهجوم على المناطق المسلمة في بيروت الشرقية فسقط جسر الباشا وحي النبعة وحوصر تل الزعتر بهدف الضغط على الفلسطينيين للخروج.

الحصار

في البداية كان تل الزعتر يعاني من حصار متقطع، أهله لكي يمتلك خبرة تمكنه من الصمود والتحدي، حيث قدم دكتور عبد العزيز اللبدي ودكتور يوسف عراقي دورا عظيما في صمود المخيم عن طريق تطوير المستشفى ومحاولة توفير كل مستلزمات الصمود فيها، كما عملا دورات في الاسعافات الأولية لأبناء وبنات المخيم لتعويض نقص الطواقم الطبية.

كما دافع أبناء المخيم بأنفسهم عن المخيم مـن الـتنظیم وطـلاب الـمدارس والـعمال المسـتقلين، حيث تلقوا دورات تدريبية في المجال العسكري قدمها الملازم أدهم وغيره من أبناء المخيم المتمكنيين..

في 22/6/1976 كان الحصار الأخير والمتواصل على المخيم، بدأ الهجوم العسكري وكانت الـقذائـف تـتساقـط عـلى المخیم بـمعدل ١٦ قـذيـفة فـي الـثانـیة مما أدى لتدمير %70من بيوت المخيم، إضافة لتفاقم مشكلة المياه فـقد كـان الانـعزالـیون يـقصفون مـصادر الـمیاه بـالـتدريـج ولم يـبق سـوى مـاسـورة واحـدة تـركـز الـقصف عـلیھا.

يـقول دكتور يـوسـف عـراقـي ” رأيـت بـعیني الـناس تـتجه طـوابـیر نـحو مـركـز الـمیاه، والـرشـاشـات مسـلطة عـلیھم، وتـحصد وتجـرح عـدداً مـنھم، ومـع ذلـك كـانـوا يسـتمرون ولا يـتراجـعون لـلحصول عـلى الـمیاه. كـانـت الإصابات فـي سـبیل الـحصول عـلى الـمیاه بـمعدل ١٠-١٢ إصابة  وأحـیانـاً تـصل إلـى ٣٠ إصـابـة فـي الـیوم. الـماء بـات يـعني الاسـتمرار والـحیاة والـصمود. مـسألـة فـقدان الـمیاه أثـرت عـلى الأطـفال مـن جـمیع الـنواحـیي، مـن حـیث الـنظافـة والأمـراض والـتغذيـة. رأيـت إمـرأة أصـیبت إصابة بـالـغة فـي يـدھـا بـینما ھـي تـملأ تـنكتھا، ولـكنھا لـم تـتراجـع، انـتظرت حـتى امـتلأت الـتنكة، فـأحـضرتـھا مـعھا، وھـي تـرفـع يـدھـا عـالـیاً وقـد عـالـجتھا، وكـانـت إصـابـتھا غـیر بسیطة.”

نتيجة لتدمير البيوت والقصف الجنوني على المخيم لجأ الأهالي إلى الملاجىء في البيانات المجاورة للمخيم في رأس الدكوانة، ولم تسلم الملاجىء من القصف أيضا.

في 25/7/1976 قصف ملجأ “بوتاجي” وهو معمل للمفروشات كان يقع ضمن عمارة مكونة من 8 طوابق وقتل بداخلها ما بين 400 الى 500 شهيد من ضمنهم أقارب الكاتبة رحاب كنعان ال (51) شهيد ولم يكن بالملجأ أي مقاتل، حاول المنقذين رغم الاستهداف المباشر لهم فتح ثغرة صغيرة واستطاعوا من خلالها اخراج 22 شخصا معظمهم من الأطفال فيما تحول الملجأ لمقبرة جماعية.

وغيره الكثير من الملاجىء المنكوبة منها “ملجأ قدورة” التي ارتكبت الكتائب فيه مجزرة بحق 65 شخصا، و”ملجأ كاليري شمعان” و “ملجأ عباس”.

كان وضع الجرحى مأساوياً داخل المشفى نتيجة لازدياد أعدادهم، وبعد آلاف المحاولات في اخر أيام الحصار سمح لسيارات الهلال الأحمر نقل الجرحى الى بيروت الغربية، وخلال نقلهم كان الانعزاليون يوقفون السيارات ويوسعوا الجرحى بالضرب، وحسب ما ذكر دكتور اللبدي أنهم داسوا في بطن طفل جريح مما أدى لاستشهاده.

في 11/8/1976 تـم الاتـفاق بـین الانـعزالـیین والـتنظيمات في المخيم عـلى إخـلاء الـمدنـیین عـن طـريـق الـصلیب الأحمر وقوات الأمن العربیة في الساعة التاسعة صباح اليوم التالي في 12/8/1976 (يوم المجزرة)، خرق الانعزاليون الاتفاق وقاموا بإعدام كل من وجودوه داخل المخيم، قتلوا 14 شهيد من الطاقم الطبي بعد أن طلبوا منهم الوقوف في سطر واحد.

واتبعوا أهمج أنواع التعذيب في القتل منها “الفلخ” على مرأى المدنيين في ساحة الدكوانة.

” وأحدهم كان يحمل سكين يقتل به ثم يمسح الدم ويبحث عن ذبيحة أخرى”.

قتل في هذا اليوم باعتراف الانعزاليين أنفسهم ما يقارب 2200 شهيد، ومن نجا من القتل والذبح كان يتم نقلهم بشاحنات إلى بيروت الغربية ولم يسلموا من التعذيب والقتل في طريقهم.

من تشارك في الحرب (الجهات المتصارعة)

– القوى الانعزالية، وتشمل (المسيحيين الموارنة بقيادة كميل شمعون، حزب الكتائب، حزب الأحرار، حراس الأرز، جيش بركات، الرابطة المارونية).

– الحـركـة الـوطـنیة الـلبنانـیة، بـقیادة كـمال جـنبلاط وتـضم الحـزب الـتقدمـي الاشـتراكـي، والحـزب الشـیوعـي الـلبنانـي، ومـنظمة الـعمل الشـیوعـي، والحـزب الـسوري الـقومـي الاجـتماعـي، وحـزب الـبعث (الـتنظیم الـموالـي لـسوريـا)، وحـزب الـبعث (الـتنظیم الـموالـي لـلعراق).

– مـنظمة التحـريـر الفلسـطینیة، الـتي تـحالـفت بدورها مـع الحـركـة الـوطـنیة الـلبنانـیة.

– إسرائيل، والتي تـعیق أي تـطور اجـتماعـي أو اقـتصادي أو حـضاري فـي الـمنطقة الـعربـیة قد يدفعه لمواجهتها ولتحربر فلسطين ولهذا الهدف عملت على اشغال المنطقة العربية بالحروب الدائمة لـمنع أي انـشغال بـالـتطور والـتقدم وسعت لضـرب الـتعايـش المسـیحي المسـلم فـي لـبنان، لأن أي ھـدوء فـي الـمنطقة يـعني الـبدء بـالـتطور.

إضافة لدعم إسرائيل لفكرة إقامة دويلات طائفية وكان بن غوريون منذ الخمسينات يدعو إلى إقامة دويلات طائفية بهدف الحفاظ على سلامة الكيان الصهيوني، فإقامة دويلة مارونية ودويلة شيوعية وسنية ودرزية مثلا سيضع الكيان الصهيوني كدولة يهودية ضمن الإطار الطائفي الصحيح.

“ما قيمة الناس الا في مبادئهم .. لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب”

عبد الرحمن العشماوي

المصادر

– حكايتي مع تل الزعتر للكاتب “د. يوسف اللبدي”.

– مجازر الفلسطينيين في لبنان للكاتبة رحاب كنعان.

– تل الزعتر (خفايا المعركة) تقرير الجزيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى