ثقافة

الشمس أصدق الكواكب: خالد جهاد 

الشمس أصدق الكواكب: خالد جهاد

بقلم: خالد جهاد/ كاتب فلسطيني

تتعدد الأفكار والمعتقدات والتيارات التي باتت تقسم البشر بشكل مباشر أو غير مباشر، فيميل البعض إلى إخفاء انتمائه اليها فيما يسعى البعض الآخر إلى المجاهرة بها والترويج لها، ويظل هناك من لا يبدي رأياً واضحاً (وهذا حقه) بسبب طبيعة مجتمعاتنا، بينما تتسلل أيضاً فئاتٌ أخرى بين الجميع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإستفادة تحت شعارات ٍ فضفاضة لا تشير إلى هويةٍ بعينها لكنها تعرف ما تريده وهي الأخطر..

وأصبح معظمنا يفهم أن الخلفية الثقافية لأغلب الناس هي ما يحكم توجهاتهم بغض النظر عن محاولتهم التفكير في صوابها من عدمه، لأن البيئة هي الحاضنة الأولى والمؤثر الأكبر الذي يخاف أكثر الناس الخروج منه لإعتقادهم أن الأمان يوجد داخلها حصراً، لذا بات مفهوم (الأمان) بمرور الوقت أكثر هشاشة لأنه لا يستند على أساسٍ صلب كونه محكوماً بآراء فئاتٍ معينة قد تغيره لمصلحةٍ ما في أي وقت، لذا أصبحنا في حالةٍ من التجاذب بين تيارات تتحدث بإسم الأرض وتتبنى خطاباً تقدمياً مليئاً بالمصطلحات المعقدة والشعارات الرنانة في مواجهة تياراتٍ تتحدث بإسم السماء بشكل ٍ سطحي وتستخدم المظاهر الدينية لتبرير سلوكياتها، وفي الحالتين يعيش كلا الإتجاهين حالةً من الإنفصال الشديد عن الواقع ولا يشبه أيٌ منهما المجتمع الذي يدعون الحرص على مصلحته، لأن كليهما يختفيان أو يلتزمان الصمت في القضايا المصيرية بينما يغرقوننا في صراعات جانبية لإلهاء الناس..

وتحل يوم الحادي والعشرين من الشهر الجاري الذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتبة المصرية نوال السعداوي والتي استرجع ماحدث وقتها وما تبعه لعرض مثال حي من واقعنا وتم حدوثه خلال أقل من عام، وكتبت حينها منشوراً تناولت فيه حالة الهيستيريا التي أصابت الناس بعد وفاتها إلى جانب كمية الغل والحقد والتشفي فيه، فعبرت حينها بإختصار عن انزعاجي من كم الهجوم والحكم على شخص متوفي يمكننا انتقاد أفكاره والإختلاف معها وليس الحديث عنه بشكل شخصي أو الحديث عن مصيره دينياً، وقلت رأيي بأنني لا أتفق مع الكثير من أفكارها التي تتصادم مع قناعاتي لكنني لم أجدها مدعية كالكثيرين ممن يحاولون ركوب الموجة ليظهروا كمفكرين، كما ترحمت عليها كأي ميت وهو ما رفضه البعض وأعلنت بدوري رفضي له لأنه ليس من حق أحد أن يتحدث في أمور غيبية ومتروكة لله وحده وهو من يفصل فيها..

فكشف ذلك لي الكثير عن طريقة تفكير الناس وهو ما أثار استغرابي ودعاني إلى انتقاد كل الأطراف، لأن كلاً منهما اتخذ من وفاة انسان أياً كان فرصةً للظهور ولتصفية الحسابات الشخصية ولمهاجمة الطرف الآخر بعيداً عن إقامة اعتبار لحرمة الموت، وكان سؤالي للجميع وقتها هو لماذا يجند الجميع نفسه للإنخراط في مثل هذه الأمور مدعياً حرصه على الناس فيما يلتزم الصمت حيال أي قضية هامة تحتاج إلى تفاعل وإرادة ؟، وهو ما حصل بالفعل بعد شهر ونصف تقريباً عندما بدأت الصور تتوالى من حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة لتثير فزع العالم والتي تبعها العدوان الصهيوني على قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، وحينها التزم الصمت أغلب من كان مشغولاً بالحكم على شخص ٍ فارق الحياة أو من كان يحاول الإستفادة من رحيله..

لذلك أستعيد هنا مقولة الأديبة السورية غادة السمان ( لا توجد في العالم أخبار ٌ عارية.. فكل خبر يرتدي زي بائعيه)، ومن يتحدثون بإسم الأرض والحرية والعدالة لم تلفتهم فلسطين أو غيرها من القضايا الهامة كما لم يلتفت المتحدثون بإسم الأرض والتدين، لذا صدقوا أصحاب المواقف لا أصحاب الشعارات لأنها وحدها من يتحدث دون كلمات، ولأن أصحاب المواقف أحرارٌ قولاً وفعلاً ولا يحتاجون لإثبات ذلك لأحد، فالفضائل واضحةٌ كالشمس وتشرق مهما حاولوا حجبها ولذلك هي أصدق الكواكب لأنها تحترق لأجلنا وتحرق من يحاول إطفائها..

زر الذهاب إلى الأعلى