مجتمع

شفيق التلولي يكتب: شر لا بد منه

شر لا بد منه

بقلم: شفيق التلولي/ كاتب وأديب 

في عام ١٩٩١م أصر الراحل صائب عريقات رحمه الله دخول قاعة مؤتمر مدريد السلام متوشحًا الكوفية الفلسطينية بالرغم من رفض وفد حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وجلس مقابل إسحاق شامير رئيس تلك الحكومة التي أرغمتها الانتفاضة الشعبية المباركة وقتذاك على الجلوس في مؤتمر دولي للسلام كمقدمة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي صاغت حروفها وثيقة الاستقلال عام ١٩٨٨م بعد أن تعمدت بدماء الشهداء وجسدتها الانتفاضة.

منذ تلك اللحظة دخل صائب عريقات معترك المفاوضات الطويلة التي كان يؤمن بصعوبتها وتعقيداتها، بل يدرك أنها “شر لا بد منه” أمام تعنت الاحتلال الإسرائيلي ومراوغة حكوماته المتعاقبة؛ لعرقلة سبل تنفيذ استحقاقات ما أنتجه مؤتمر مدريد، وما ترتب عليه من اتفاقيات بدءًا بأوسلو وحتى آخر الطريق المسدود في مسار العملية التفاوضية، كان على عريقات أن يلوح للوفد الإسرائيلي بالكوفية في إشارة منه إلى التمسك بالثوابت الفلسطينية أساس وجود شعبه على هذه الأرض.

اليوم يدخل الوزير حسين الشيخ الذي تبوأ أكثر من موقع في معظمها مواقع مواجهة حساسة من الباب ذاته الذي دخله صائب عريقات من ذي قبل؛ ليلاقي ما لاقاه سلفه، فمنذ أن بات يلوح في الأفق تولي الشيخ ملف المفاوضات في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما انفكت ألسنة الاحتلال الإسرائيلية الملتهبة شن الهجوم تلو الآخر عليه، ووضع العصي في دواليب عربته؛ للعودة عن المسار الذي خطه الرئيس محمود عباس مسار إحياء العملية السياسية وفق ما يضمن حماية المشروع الوطني من التفرد الإسرائيلي بالعملية التفاوضية القائم على أساس عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية هيئة الأمم المتحدة ومنظومة الرباعبة الدولية وفق قرارات الشرعية الدولية بعدما خاض الرئيس والقيادة الفلسطينية غمار معركة الاشتباك الدبلوماسي الشاقة والطويلة وحققت العديد من الانتصارات على مستوى المنظمات الدولية المهمة وما تمخض عنها من قرارات ثبتت الوجود الفلسطيني على الخارطة السياسية والأمثلة شاهدة وكثيرة على ذلك.

نعم تدرك حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن العالم سيقف أمام مخرجات دورة المجلس المركزي الأخيرة بعدما أخذت اللجنة التنفيذية تترجم قرارات المجلس وتسعى لتنفيذها خاصة وأن المجلس كان قد أعطاها الحق وفوضها بإعادة النظر في تحديد شكل العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي وحكومته التي أدارت ظهرها لما يسعى إليه الفلسطينيون لنيل حق تقرير المصير؛ لذلك تلجأ لشن هجوم على الوزير حسين الشيخ كما شنته على الرئيس التي طالما نعتته بالإرهابي الدبلوماسي وما زالت تغعل، ربما هو الهجوم ذاته أيضًا الذي شنته على صائب عريقات يوم موقعة الكوفية في مدريد، لكنه لم يفت من عضده وقاد معركة المفاوضات الصعبة والطويلة باقتدار حتى قضى.

من هنا يمكننا القول إن “إسرائيل” وحكومتها بسياستها الإعلامية تلك التي تعتمد على محاولة النيل من رموز التفاوض الموكلة إليهم مهمتها الحساسة لم تستطع تحقيق ما ترمي إليه وواهمة إذا ما ظنت ذلك طالما أن المفاوض الفلسطيني ثابتًا متسلحًا بإرادة شعبه ووحدة قواه التي نادى بها الشيخ مؤخرًا وما قدم على مذبح التضحيات الجسام، فكل ما تسعى إليه يهدف إلى ترضيخ وابتزاز الفلسطيني الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق وعبثًا تحاول، لعل وعسى.. ولم تفلح، فكما مضى صائب عريقات على هذا الدرب الشائك والطويل حتى قضى، سيمضي حسين الشيخ على الدرب ذاته الذي ربما هو طريق “شر لا بد منه” أيضًا إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

لننتبه من خطورة المعركة القادمة ونتيقنها التي غالبًا ما ستتخذ أوجهًا وأدوات عدة، لنكن بمستوى المسئولية والتحدي، وأظن أننا سنفعل، سنفعل ما يليق، ويستحق.

زر الذهاب إلى الأعلى