منوعات

الشعر والألم والإبداع 

الشعر والألم والإبداع

بقلم: يسلم ولد محمدو عبدي

إن الشعور الإنساني مرتبط بالماضي في اللاشعور ارتباطاً وثيقاً لايمكن السيطرة عليه خاصة في ظل ارتباطه بالحب.

حين تكون سعادة العاشق مرهونة بالأمس يشعر الشعراء بالحنين فيتذكروا الأطلال والبكاء عليه كتعبير عن الحب.

إن من أقوى الحالات التي يعبر الإنسان العاشق بها عن حبه لمحبوبته هي البكاء، لأن الرجال إذا سقطت دمعتهم فذلك يعني بأن الأمر جلل، وبالتالي يضعفوا في حضرة الحب، لذلك دائماً ما يكون البكاء معياراً لقياس محبتهم لأن المرأة التي استطاعت أن تهز قلب رجل لتُبكيه هي فعلا تستحق محبّته لأنه يُحبّها بصدق ويكفي ذلك التعبير بالبكاء لأنه يعبّر عن صدق المحبة.

بكاء العاشق هو حالة تعبير في لحظة حب بمفاهيم العشق تتخللها الابتسامة العريضة المملوءة بالعشق والهيامِ لترجعَ الذاكرة إلى بوابة الماضي فتطرقه بكل حب لتجد في داخله عالم يفترشُ من فراش العاشقين مايثلج به صدره المملوء بالحب الذي يصارع العقل في الواقع لأن القلب يهوى والعقل يفرض واقعاً آخر طغت عليه سمة التذكر والحنين.

بكاء الشعراء على الأطلال هذه هي العاطفة التي تعبث بمشاعر العشاق حين تتكرر في أعينهم اللحظات بين أزقة المنازل العمرانية التي خلت من واقعهم الآني، وغدت ذكريات سامية منقوشة على الرمال أثرها، أو بيوت تعبت، فهَرِمت، فتساقطت أحجارها، ليعج في القلب شريط من الذكريات الجميلة تحمل طابع الحنين، ليصعدَ ذلك الحنين عبر العروق يجوب شوارع الجسم متجها إلى الصبابة يريد أن يُبدع شعراً ويدمع حنيناً وحُباً ودمعاً، لتكون بذلك الظرفية ملائمة للشعر في منطق الكلاسيكيين.

حين تنعدم الظروف للإبداع يخلقها العاشق ليبدع شعراً وذلك مايتجسّد في ديار المحبوبة، فيقف الشاعر مترنّماً يصف فيه محبوبته بمحاسنها وحالته الشخصية وما يشعر به أو مايتمناه، لأن محبوبته أصبح لقاؤها في الماضي أهون من الحاضر والمستقبل، بمعنى أن الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية فتكت بأحلامهم إلى أن أصبح ارتباطهم يتوقّف على شعورهم فقط لا على لقائهم.

دائماً ما أميل إلى الشعر من منطق الرومانسيين، ولذلك أحب الشعر الذي يحمل في طياته الألم والإبداع، بالرغم من أن كلا المدرستين تحمل هذا الشعار الذي يجسده الشعراء ( الألم والإبداع )

وهل يجتمعان؟ نعم في عنترة ابن شداد العبسي وفي ﺇﻳﻠﻴﺎ ﺃﺑﻮ ﻣﺎﺿﻲ تجتمع هذه الثنائية المدهشة..

ولم يكن دافعي إلى المدرستين ينبع من التعبير عن الألم فقط لا، وإنما أحيانا يكون الألم بوابة للإبداع لتحرير ذلك الشعور المكبوت الذي لا يتحرر إلا بالألم فيكون شِعراً يصيب قلب المُحبّ عن طريق رسائله التي تخفف وطأة الألم عن العاشق الذي يزن الشعر بميزان الحب لكن بقالب مؤلم، وبصيغة إبداعية، ويكون رسالة للمجتمع أيضاً وتعبيراً له عن صورة الحب التي لاتموت في قلب العاشقين.

حين تنعدم السُبل في لقاء الحبيبِ يخترع دماغ العاشق طريقاً آخر بها يشبع تلك الحاجة وهي بالتفكير العميق الذي يحاول من خلاله إثبات وجود ذلك الغائب وجوداً ذاتياً يتجسّد في الواقع عن طريق مخيلته والتصديق بأن المحبوب موجود في الذاكرة وفي الواقع بل وأمامه حتى.

إن المدارس الشعرية ( الكلاسيكية والرومانسية ) هي المفتاح الذي جعلتني أتصنع الشعر لهذا الشعور.

كنت أتساءل ذات يوم كيف للشاعر أن يقف على باب منزل متهالك ويبدأ بالبكاء أيحدث هذا فعلاً؟

وإن كان حقاً فيا للغرابة من فعل يضعف عواطف الإنسان ليجهج في البكاء الشديد!!.

إن الألم سمة مرادفة للشعراء عادةً، وذلك لما يمر به الشاعر من امتحان لمحبته، لأنه دائماً ما يكون في المجتمعات صورة تجسّد عداوة المجتمع للحب والنظرة الدونية له وحتى احتقاره أحيانا، فتغيب هيكلته، وبالتالي يصبح الشاعر أو العاشق إن صح التعبير في دوامة حائراً بين الواقع والمأمول.

وكثيراً ما تم تصنيف بعض الشعراء وربطهم بالألم عن طريق شعرهم الذي يحاول أن يوصل أفكاراً تعبّر عن ألمهم ومآسيهم التي يعيشونها خاصة في ظل غياب وعي اجتماعي بصورة الحب لذلك عُرفوا بشعراء الدمعة كالشاعر ابراهيم ناجي.

لست بشاعر بل مجرد شويعر أتصنع الشعر للهروب من الواقع المادي إلى اللاشعور، إلى ذاك العالم الذي نحاول أن نصنعه عن طريق تأملات، لنخرج من الواقع إلى المأمول، لنخلق عالماً من الخيال نبتسم من خلاله على ذكريات جميلة تحمل في طياتها كثيراً من الحب والعاطفة، وذلك لا يحدث إلا عن طريق ذلك الشعور بالألم والحنين والحب معاً.

زر الذهاب إلى الأعلى