مجتمع

مصطفى النبيه: ألا تستحق أن تكون من المغضوب عليهم

ألا تستحق أن تكون من المغضوب عليهم

بقلم: مصطفى النبيه/ كاتب فلسطيني 

شكراً لأدعياء الوطن والثقافة والحريات، شكراً لمن يسرقون أحلامنا فنحن جبناء نستحق أكثر من ذلك.
وأنت تكتب وصيتك الأخيرة تذكر أنك ما زلت حراً ولم تنم يوماً في حضن وليّ ولم تصلّ للإمام ومازلت تسمو فوق الفئوية والحزبية وتحلم بوطنك الجميل.
وأنت تفقد شغف الحياة، ابتسم لأنك اخترت طريقك بكامل إرادتك ولم تتنازل يوما عن أفكارك.
فيا صديقي المفجوع الموجوع، أعلم أنك هرمت فجأة، ولم تعد “فارس بني خيبان”، وما زلت تردد والدموع تفيض من عينيك: “حتى أنت يا بروتوس!”.
اسمعني جيدا وأنت تمضي إلى رحلتك الأبدية واثق الخطى، لا تنظر خلفك ولا تبك أمام من أحببت، فحلمهم أن تعيش ميتاً، فصباحك سيبقى بدون بهجة، مثقلا بالكذابين، المنافقين والمستلقين، لن تستهويك بعد اليوم حكاية الجدات عن ست الحسن والشاطر حسن.
الناس تعشق الكذب والزيف وتنساق خلف تاريخ مزور، صنعوه تجار المرحلة، للأسف تهالكت مملكة القمح أمام ناظرينا بعد أن حرسها الدجاج..
فرغم ضجيجك يا صغيري، ستبقى الغريب خارج سياق الحياة، لم تبصر ما يدور خلف الكواليس. فعليك أن تصاب بداء الزهايمر حتى تريح وتستريح، تناسَ أنك تنتمي للشوارع المرهقة الباهتة وتحلم أن تراها نظيفة، تناسَ أن هناك مشاعر وحبا، فمن تمنحه حياة هو أول من سيخذلك ويطعنك في ظهرك، الجميع يلهثون وراء الأضواء، يبحثون عن مصعد فلا تحنِ ظهرك. فرت المدينة من تحت قدميك. فلا تغضب.. مشكلتك الحقيقية أنك كنت تتكىء على الفراغ، لأنك قارئ الوجوه جيدا وتحفظ التاريخ ولديك ما يحكى عن إمّعات يتصدرون المشهد ويعلنون النبوءة.
جريمتك الكبرى يا صديقي أنك لست منافقا وأنك صادق حتى الحماقة، طيب حتى الاتهامات، آمنت بالخرافة وعشت وهم أنك قادر على البناء، فكل محاولاتك الفاشلة لم تجنِ لك سوى الخراب والأحقاد، قلت لك مراراً لا تزرع في أرض قاحلة، فمن شب على شيء شاب عليه، تذكر أنك دوما تختار الطريق الأصعب.. أنت أول من كفر بكبيرهم ورفض أن يمدحه طمعا بجنته الوهمية، كبير المنافقين يعشق الأضواء ويبارك من يمدحه، وبحرنا الذي يكتم الأسرار يشهد على عفن المرحلة.. تعال نعيد شريط الذاكرة ونبدأ من لحظة التكوين.

ماذا يعني لو فكرت بواقع الطفل وكنت أحد المبادرين وقررت أن تؤسس مسرحا؟ ماذا يعني لو جعلت عَلم وطنك يرفرف في العالم وحصدت عشرات الجوائز الذهبية وجوائز الإبداع كأحسن مخرج وكاتب سيناريو؟ ماذا يعني أن تكتب الرواية والمسرح وقصص الأطفال؟ ماذا يعني أن تكون ناقدا مسرحيا وسينمائيا وروائيا وتهب عمرك لصناعة حالة ثقافية…؟ ماذا يعني أن تسهم في صناعة سينما وتكون عضوا ورئيس لجان التحكيم في المهرجانات المحلية والعربية والدولية؟ ماذا يعني مادامت لست عبدا من عبيد السلطان، أنت مقاتل لا يسرق لا يزني لا ينافق، لم يخلع أفكاره مثل حذائه وينفخ أدعياء الوطن بالشعارات ويهمش من يستحق ويستبسل ليجعل من أجساد المبدعين مصعدا…؟
بعد كل هذا ألا تستحق أن تكون من المغضوب عليهم؟ يا صديقي، آن أن تموت شامخا كالنخيل.. فقلها ومت. أمامك مساحة من السمو لا تتركها وتبقى رهين المصادفة.. عليك أن تأخذ نفسا عميقا وتعيد بنا المشهد بصورته الحقيقية دون خوف، فقلمك شرفك، فإياك وأن يسقط من يدك، أمَا آن أن لك تسرد قصص أدعياء الوطن وكيف صنعتهم المصادفة…؟

زر الذهاب إلى الأعلى