مقالات

قراءة في ديوان ” لأول ذئبة في الطريق” بقلم: ماهر محمود داود

قراءة في ديوان ” لأول ذئبة في الطريق”

للشاعر: جبر جميل شعت

4-5-2023

قراءة: ماهر محمود داود 

يتصدر غلاف الديوان ذئبة بلونها الأزرق الخارج عن دلالته الأولية من هدوء وسلام وصفاء، إلى الحاجة للموت والانبعاث من جديد، فالتدرج اللوني للأزرق يرمز للطوفان الذي ينهض بنا بعد الانحطاط، عتبة النص دلالتها الثورة والرفض على كل ما هو مُتَبع وسائد في المجتمعات.

يؤكد الشاعر في ديوانه أن الشعر فعل ثورة وتحريض، لا يقف على حافة الوصف السطحي للمشاهدات، بل هو حالة رفض للواقع المعاش، أداة من أدوات النضال المستمر لإعلاء شأن الإنسان وتحريره من قيود الظلم والفساد والعبودية، الديوان يتميز بوحدة حال شعورية، فالشاعر جرد لغته من غنائيتها وحولها إلى بناء درامي متعدد الأصوات باحثاً عن أسرار الكون ليخرج من حالة اللا جدوى والقلق والتشاؤم والشتات الذي يعيشه، الإنسان في الديوان رمادي محايد غير مفهوم لا يلتفت لمنظومة الأخلاق، فقط يريد أن ينهش ويستوغل، يُهدي الشاعر ديوانه

” إلى …

الذي ما زال يحاول أن يُثبت

الصخرة على قمة الجبل

إلى …

الذي ما زال يقف على حدِّ

الحافة”

مستلهماً أسطورة سيزيف رمز الشقاء والاغتراب واللامعقولية في المجتمع الذي يعيش فيه، وفي دلالة الاستخدام دعوة للتمرد رغم الظلم الذي يتمثل في المحاولات العبثية لرفع الصخرة، و هناك دعوة واضحة لاستمرار الحركة لطرد كل الحمولة الزائدة والمرهقة والتي تخلصنا من العذاب الأبدي.

عبثية الحياة والفهم والتحليل العميق لتجليات الحياة بطبيعتها المعقدة والغرق في تفاصيل الحضارة تظهر على شكل تساؤلات فلسفية عن جدوى الوجود البشري في عالم مكتظ بسخافات يسيطر عليه نظام التفاهة.

يقول الشاعر:

ما جدوى أن تعيش

كثيراً أو قليلاً

عقيماً أو ولوداً

ما جدواك

وآخرتك قبرٌ

يحدد بالرفش

ويقاس بالقدم؟

تأثر الشاعر: جبر شعت بعبثية الكاتب المسرحي والفيلسوف العبثي الفرنسي الجزائري ألبير كامو والذي يؤكد أنه لا وجود إلا لمشكلة فلسفية حقيقية وحيدة، ألا وهي الانتحار، وقال: إن التعامل مع حالة غياب المعنى الكامنة في جوف العالم من خلال رفض الحياة ببساطة والتوقف عن العيش، أي الانتحار، لا يعد حلا للمشكلة، بل هو فقط محاولة لعدم الاضطرار لمواجهة المشكلة.

مستعرضاً محاولات اللجوء إلى مصادر متعالية أخرى لاستخلاص المعنى الغائب عن العالم، لكنه يتدارك الأمر سريعًا ويرفض تلك المصادر المفارقة والتي أطلق عليها لفظ الانتحار الفلسفي.

تتجلى فلسفة الشاعر في التوحد والانصهار مع الطبيعة الأم الأولى للبشر في ظل تعقيدات العولمة والزيف و التمظهر الشكلي الخارجي الذي لا يعالج قضايا الإنسان الجوهرية وتحفظ كرامته الإنسانية، فالشاعر تصعُب عليه تقبل فكرة أن الكون لا معنى له في ظل المحاولات الدائمة لإيجاد جدوى تصطدم بعدم اكتراث العالم لها، ومن خلال ذلك نرى أن الشاعر ينطلق نحو تمكين العلاقات البشرية جمعاء، من خلال الثورة التي تقود إلى التمرد على الفوضى والقوالب القبلية بالرجوع للنقاء والفطرة السليمة للبشر، فيقول الشاعر:

ما أجمل أن تكون الحياة غابة

نجري فيها عراة

نمارسُ فيها ما يطفئ الرغباتِ

نستظل بفوضاها

ونأكل من ثمارها الحرام

لا نخاف ” ميتا” السماء

ولا ” تابو” القبيلة

و العقلاء من وجهة نظر الشاعر يمتلكون الوعي فيتقبلون فوضى الواقع، والتي تعبر عن رفضهم للتسلح بالعقل ضد فوضى الحياة بشكلٍ دائم، يقول الشاعر:

الحياةُ

حذاءٌ مهترئ

لا يليقُ بالعقلاء

انتعاله

تتسع حواف الهاوية لدى الشاعر وصولاً لمناقشة المسببات الأولية التي أوصلتنا لحالة الرقود والجمود، حيث يطرح علينا في نصوصه مشكلات العصر وتهميش الضعيف من خلال هيمنة السذج والفسدة لمقاليد الحُكم، فالحياة من وجهة نظره ليست سوداوية لحد الإنكار بوجود مفاهيم الخير، فهو يؤمن بأن خزائن الله لا تنفذ، لذلك رفضه وتمرده جاء على شكل تساؤلات فيقول:

منذ الأزل

ورحى الله تطحن قمحاً

لكننا، ما زلنا جوعى!

ونهر الله الذي يجري تحت الأقدام

ما جدواه،

وحبابُه لا يصل شفاهنا العطشى!

في نهاية الأمر وفوق كل الاعتبارات التي أجملها الشاعر بنظرته للعبودية الجديدة ، إلا أن هناك دعوة لحركة تصحيحية إصلاحية للتعاطي مع مجريات وجوهر الحياة والتعامل معها على قاعدة الحفاظ على الإنسان والابتعاد عن استخدامه كوقود لمعارك السادة.

فيقول:

دماؤنا

أشلاؤنا

( ليست للعرض على الشاشات، في الجرائد)

( ليست للفرجة، حسب طلب السادة المتعاطفين)

لسنا بحاجة تعاطفكم

تعاطفكم يقتلنا

ودموعكم المتحجرة في مآقيكم تُحرقنا

زر الذهاب إلى الأعلى